
عندما يقتل الفلاسفة فاعلم انك في عصر الجهل والقمع الذي يقترب من نهايته .. وان معركة بين العقل والجهل استعرت .. بين عقل الحيوان وعقل الانسان .. بين المادة والروح .. بين الخير والشر .. فالجهل يخشى العقل.. والعقل الذي تصقله الفلسفة هو الذي ينتمي للانسان .. وغير ذلك هو عقل حيوان .. فلاشيء ينتقل بالعقل من عقل الحيوان الى عقل الانسان سوى الفلسفة .. انها الرافعة لنا نحو انسانيتنا .. وهي الطاقة الهائلة التي نقلت عقل الانسان من عقل بدائي الى عقل يبحث عن نهاية التاريخ .. نهاية التاريخ التي كانت في فلسفة الدين هي يوم القيامة وفي فلسفة الانسان هي يوم لايحتاج فيه الانسان الى العدالة لأنها تحققت ..
روسيا التي أنتجت الفلاسفة والادب لاتتوقف عن انتاج العقول الجبارة .. ومنذ ان نهضت بعد كبوتها وفيلسوفها الكسندر دوغين يحقنها بالفلسفة والافكار العظيمة .. ويصقل العقل الروسي الاجتماعي والسياسي بآرائه العبقرية عندما اكتشف ان هناك حضارات بحرية انتهت فعاليتها وجاء اوان عودة الحضارات البرية .. وهي اليوم تولد في أوراسيا ..
كل الفلاسفة هم كالأنبياء أعداء الجهل واعضاء الكهنة وحراس الهيكل والمعبد.. وكلهم يتعرضون للاغتيال .. فالسيد المسيح جاء بفلسفة جديدة ولذلك قرر الأحبار وأدها وقتلها فانطلقت فيما هو لايزال على صليبه .. وكذلك كان سقراط هدف الجهلاء وقتلوه .. كل الفلاسفة من الحلاج الى محي الدين بن عربي الى كوبر نيكوس وتوماس مور وغاليليه تم ارهابهم او قتلهم .. لأنهم كانوا دوما مصدر قلق ورعب للجهل وتجار المعبد وتهديدا لعقل الحيوان فينا .. وكانوا بموتهم او محاكماتهم علامات فاصلة بين انهيار فلسفة وبداية أخرى .. واليوم فان الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغان صار المفصل بين الخير والشر في عالم اليوم .. وبين انفصال الحضارات الروحية القيمية المثالية عن الحضارات المادية الاستهلاكية الحيوانية .. ولكن الحيوان استنفر وكشر عن أنيابه .. وقرر قتل الفيلسوف الذي يبشر بنهاية عصر الليبرالية الغربية وفناء نظرية نهاية التاريخ ..
ومن الواضح ان هناك محاولة لاغتياله كي تنتصر فلسفة الحيوان في الغرب حيث الشهوة وحيث الانفلات من كل شيء الا المال والمادة والجشع والدنيا والذهب ..
لم يقتل دوغين ولكن محاولة اغتياله أشارت الى ان فلسفة الحيوان والليبرالية الرأسمالية الجشعة باتت تحس انها تقترب من لحظة حرجة مميتة .. فعقل هذا الرجل خطر جدا وهو يصنع القيم الجديدة .. وهل هناك أصعب من تحطيم قيم قديمة عتيقة وبناء أخرى جديدة ؟؟ وهل يقدر على ذلك الا العقول العملاقة ؟؟
استهداف الفلاسفة يعني انهم صاروا خطرا وان آراءهم صارت تتحول الى عمل وثورات وتغييرات في العالم .. ولذلك ورغم ان اغتيال ابنته كان ضربة كبيرة لروح هذا المفكر الكبير فانها اشارة الى ان الغرب الشرس في القتال صار يقاتل كاليائس .. وهو لايدري كيف يحارب السلاح الروسي والتطور الهائل في العقل الاقتصادي الروسي وفي التكنولوجية الروسية فصار يحاول حرمانها من طاقاتها الفكرية المشعة .. لان استئصال العقول اهم من استئصال السلاح .. وهذا مافعله الغرب دوما في صراعه مع الخصوم .. قتل العقول اما بنشر الديانات المنحرفة وقتل العلماء والمفكرين واساتذة الجامعات وملاحقة الفلاسفة وأرهابهم وملاحقتهم عبر اذرعه الطويلة في الاعلام واذرعه الارهابية التي كانت تتولى تصفية كل مفكر عاقل في الشرق ليبقى فقط مفكرو الشر ..
الحرب على روسيا اليوم لم تعد حربا عليها .. بل حربا على الانسان وعلى القيم الجديدة التي تحرك روسيا … روسيا صاحبة الحرب والسلام .. والجريمة والعقاب .. عقل تولستوي وعقل ديستويفسكي .. وشاغال وغوغول .. وعقل دوغين ..
الحيوان الغربي الليبرالي يطعن اليوم بقرونه ويخرمش بمخالبه ويعض بأنيابه .. ولكنه يدخل القفص الحضاري في متحف النظريات الذي صممه له دوغين .. وصنعه بوتين .. ولاخيار للغرب الا بدخول القفص والمتحف .. فمرحلة الحيوان الضاري الجشع المتوحش انتهت .. وبدأت نهاية تاريخ المرحلة االحضارية الغربية.. ودخلت نهاية التاريخ في القفص .. ولن تخرج منه بعد اليوم.. ولن تعود..
نارام سرجون