الأردن ـ أزمة اقتصادية طاحنة واحتجاجات عنيفة.. “ربيع عربي” متأخر؟

أحداث متسارعة ومتلاحقة يشهدها الأردن بين تظاهرات اتخذ بعضها طابعاً عنيفاً ومداهمات أمنية وقتلى من رجال الشرطة من قبل من قالت السلطات إنهم عناصر متطرفة. وكل ذلك يجري على وقع أزمة اقتصادية طاحنة.. فما الذي يحدث في الأردن؟

مشهد من المدرج الروماني في عمان
يواجه الأدرن أزمة اقتصادية خانقة مع ارتفاع نسب البطالة وانخفاض نصيب الفرد من الناتج القومي

يحفل المشهد الأردني اليوم بأحداث متسارعة بعضها اتسم بالعنف، وفي خلفية المشهد أزمة اقتصادية ربما لم تشهد البلاد مثيلاً لها. وفيما يخشى خبراء من أن تؤدي الأحداث لزعزعة استقرار دولة محورية في المنطقة، يرى آخرون أن “هيكلة اقتصادية وسياسية” أصبحت ضرورية للغاية في الأردن.

كيف اندلعت الأحداث؟

المؤسسات الاجتماعية في الأردن.. كيف تساهم في تمكين ومساواة المرأة؟
الأردن ـ احتجاجات على أسعار المحروقات ومقتل رجل أمن في اشتباكات
هيومن رايتس ووتش: الأردن يشدد القيود على المعارضة السياسية
اشتعلت الأمور فجأة بعد غضب شعبي مكتوم بسبب ارتفاع الأسعار وخصوصاً المحروقات، وكان سائقو الشاحنات هم الأكثر تضرراً وهو قطاع حيوي في البلاد.

وشهدت محافظات في جنوب الأردن منذ مطلع الشهر الجاري إضرابات سلمية في الغالب بدأت بسائقي الشاحنات الذين انضمّ إليهم آخرون، وتطور الأمر إلى إغلاق الأسواق والمحلات التجارية في معان والكرك ومحافظة مادبا تضامناً مع هذه الحركة، إلى جانب احتجاجات أخرى في الزرقاء وإربد ثاني وثالث أكبر مدن المملكة .

لكن الأمور اتخذت منحى أسوأ حين أعلنت مديرية الأمن العام الجمعة الماضية (16/12/2022) مقتل مساعد مدير شرطة محافظة معان العقيد عبد الرزاق الدلابيح في جنوب الأردن بعيار ناري في الرأس أثناء تعامله مع ما وصفته المديرية بأنها “أعمال شغب” جرح خلالها ضابط وضابط صف بعيارات نارية. وأشارت مديرية الأمن العام في بيانها إلى أن أعمال الشغب تلك “كانت تقوم بها مجموعة من المخربين والخارجين عن القانون في منطقة الحسينية في محافظة معان”.

وأعلن الأمن العام إصابة 49 من عناصر الأمن خلال أعمال الشغب، وأنه تم الاعتداء على 70 آلية للأمن العام وأكثر من 90 سيارة لمواطنين. وتعهد الأمن الأردني بالضرب “بيد من حديد” للحفاظ على الأمن. في وقت لاحق يوم الجمعة، قالت السلطات إنها علقت مؤقتاً عمل تطبيق تيك توك، مدعية إساءة استخدامه في تأجيج الاحتجاجات من قبل البعض.

أوقفت سلطات الأمن 44 شخصاً قالت إنهم شاركوا في أعمال الشغب التي اندلعت خلال الاحتجاجات، وأكدت أنها “كثفت انتشارها الأمني في محافظات المملكة لضمان إنفاذ سيادة القانون والحفاظ على أمن المواطنين”.

وخلال الساعات الماضية أعلنت قوات الأمن الأردنية مقُتل ثلاثة من عناصر الأمن وجرح خمسة آخرون خلال مداهمة استهدفت “خلية إرهابية” تضم مشتبها به في مقتل العقيد الدلابيح أسفرت عن “مقتل المشتبه به، وهو من حملة الفكر التكفيري، وضبط تسعة أشخاص آخرين وضُبط بحوزتهم مجموعة من الأسلحة النارية” مشيرة إلى أن “التحقيقات لازالت جارية”.

ودان الملك عبد الله الثاني الجمعة مقتل العقيد فيما أصدر وجهاء وأبناء معان بياناً أكدوا فيه “رفضهم واستنكارهم أي فعل خارج عن القانون”.
شهدت الأردن سابقاً عدة احتجاجات ذات طابع سياسي أو اقتصادي لكنها كانت أقرب دائماً للسلمية. وهنا يبرز السؤال: لماذا أخذت الاحتجاجات هذه المرة طابعاً مختلفاً من عنف أو دعوات لعصيان مدني وإغلاق للمحال؟

يقول سامح المحاريق الكاتب والمحلل السياسي الأردني إن هذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها الأردن أحداثاً كهذه، “فالأردن عايش ظروفاً مماثلة في انتفاضة نيسان/أبريل 1989 وانتفاضة الخبز 1996، إلى جانب أزمات أصغر شهدت أحداثاً اتسمت ببعض العنف خلال السنوات الأخيرة، وعادةً ما تتخذ الأحداث في جنوب المملكة جنوحاً نحو التصعيد بسبب إشكاليات تنموية عميقة مع وجود شعور بالمظلومية الاقتصادية لدى سكان هذه المحافظات”.

لكنه أكد أن “المستجد الرئيسي الذي يجب رصده، خاصة بعد حادثة العقيد الدلابيح هو تواجد بؤر تكفيرية في هذه المناطق تستغل طبيعتها الجغرافية للحصول على ملاذات آمنة، وهو ما أظهرته تحريات الأجهزة الأمنية، ما يحتم على الدولة ومؤسساتها العمل على مواجهة حذرة لتجنب خلط الأوراق بين الاحتجاج السياسي والعوامل الأخرى مثل التيارات المتطرفة وتجار المخدرات الذين أصبحوا يمثلون تحدياً كبيراً أمام الأجهزة الأمنية في الأردن مع استمرار تواجد حالة عدم الاستقرار في الجنوب السوري”.

سامح المحاريق الكاتب والمحلل السياسي الأردني
أكد المحاريق أن المستجد الرئيسي هو تواجد بؤر تكفيرية في بعض المناطق

احتقان شعبي وعزلة بين الحكومة والشعب

ويشير المحاريق إلى وجود احتقان شعبي على نطاق واسع نتيجة الظروف الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة إلى معدلات مرتفعة في بلد يشكل الشباب معظم سكانه، “فالحكومة الحالية تتخذ أساليب محافظة في قراراتها المالية لتجنب تفاقم المديونية وارتفاع تكلفتها، وهو الأمر الذي لم يعتده الأردنيون”.

وأضاف أن “الحكومة في خطابها بدت أنها لا ترغب في اتباع الاستراتيجية نفسها التي تسببت في تفاقم الأزمة في بعض الحكومات السابقة التي عمدت إلى تحسين شعبيتها من خلال الاقتراض وتقديم الدعم للاستهلاك من دون إجراء إصلاحات هيكلية على المستوى الاقتصادي، كما أن ما فاقم شعور الأردنيين بالمشكلة هو تراجع الدعم العربي الذي يعده البعض عاملاً ضاغطاً إضافياً”.

وقال المحلل السياسي الأردني إن الخيارات الحكومية المحدودة أدت إلى خطاب كان مستفزاً وصادماً للأوساط الشعبية، خاصة مع ارتفاع تكلفة المعيشة في الأشهر الأخيرة، “وواقع الأمر، هو أن الاستياء تصاعد من الأداء الحكومي، وحدثت عزلة نفسية بين الحكومة والمواطنين بسبب تكرار الأزمات التي أظهرت وجود ضرورة لاتخاذ خطوات جدية من أجل استعادة المؤسسات لأدوارها المأمولة والاعتيادية لدى الأردنيين، يضاف إلى ذلك، وجود مشكلة لم تحسم على مستوى الحكومة في توظيف الإعلام بصورة إيجابية لإدماج الأردنيين في التحولات القائمة والقادمة على جميع المستويات، ويمكن توصيف هذه الحالة، بانتهاء الدولة الريعية وعدم الوصول إلى الدولة الإنتاجية”.