
6:04 AM 8/02/2018
تعد زيارة الولايات المتحدة الأميركية التي ينوي القيام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعد أيام، مهمةً للغاية للأمير الشاب، لكن ثمة تحدياً لا يمكن تجاهله ينتظر ولي العهد عند وصوله إلى واشنطن، وهو الإجابة عن سؤال لماذا تم اعتقال رجال الأعمال في البلاد بحجة مكافحة الفساد؟
وقالت شبكة “سي إن بي سي” التلفزيونية الأميركية، في تقرير لها الأربعاء 7 فبراير/شباط 2018، إن أحد أكبر التحديات التي ستواجه الأمير هو تفسير حملة اعتقال العشرات من الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال السعوديين والتي جرت في الخريف الماضي.
ويعتزم ولي العهد السعودي السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية، خلال الأسابيع المقبلة؛ من أجل توطيد علاقته بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأيضاً إقناع بعض رؤساء الشركات والمستثمرين بتوجيه مهاراتهم وأموالهم للعمل في المملكة العربية السعودية، بحسب الشبكة الأميركية.
وبحسب الشبكة الأميركية روَّعت هذه الحملة السريعة وغير المتوقعة المستثمرينَ، بعد أيامٍ قليلة من استضافة صندوق الثروة السيادي السعودي قمةً استثمارية كبرى في العاصمة السعودية الرياض.
إرباك الأسواق
وبعد 3 أشهر من تسبُّب حملة الأمير محمد بن سلمان ضد الفساد في إرباك الأسواق، يقول مُحلِّلون للشبكة الأميركية إنَّ حدة التوترات قد هدأت، ولكن من السابق لأوانه تحديد مدى تأثير هذه الحملة على رأي المستثمرين على المدى البعيد.
ويرى مُحلِّلون أنَّ الإفراج مؤخراً عن الأمير الوليد بن طلال، والمشهور بأنه “وارن بافت” السعودي؛ نظراً إلى امتلاكه ثروةً طائلة- يُعد أمراً إيجابياً. ولكن، هناك 56 شخصاً ما زالوا رهن الاعتقال.
لكنَّ أكثر ما يشغل المملكة العربية السعودية، هو الطرح العام الأوليّ لشركة أرامكو السعودية، التي تُعَد أكبر شركة للطاقة في العالم. ويهدف هذا الطرح إلى جمع 100 مليار دولار، وإنشاء صندوق الثروة السيادي الأكبر في العالم، فضلاً عن تأمين خطة بن سلمان بشأن تنويع الاقتصاد بدلاً من اعتماده على النفط، بحسب “سي إن بي سي”.
والأكثر من ذلك برأي الشبكة الأميركية، هو أنَّ حركة مكافحة الفساد قد تؤثر في جهود السعوديين لتوسيع أسواق رأس المال واستقطاب كبار المستثمرين إلى سوق الأسهم المحلية، وجذب الاستثمار إلى الصناعات التي تُسيطر عليها الشركات الحكومية التي تخضع للخصخصة.
وقال أيهم كامل، رئيس مجموعة أوراسيا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، للشبكة الأميركية: “إن هيكل السلطة في المملكة تغيَّر تغيُّراً كبير نتيجةً لهذا. أعتقد أنَّ ولي العهد لا يحاول فقط التعامل مع الفساد وتعزيز السلطة؛ بل يحاول التخلص من الاحتكارات القديمة التي هيمنت على النظام السعودي”.
وأضاف: “أعتقد أنَّه على المدى البعيد، سيرى المستثمرون هذا الإجراء أمراً إيجابياً”.
ويرى محللون أنَّ هناك تفاهماً بين المستثمرين والحكومة السعودية لدرجة أنَّ المملكة لم تقدم تفسيراً كافياً لحملة التطهير التي شنتها؛ مما دفع الأجانب إلى افتراض الأسوأ، بحسب الصحيفة الأميركية.
ويرى البعض أن حملة مكافحة الفساد هذه، التي أطلقها الملك سلمان وتولى تنفيذها وليُّ العهد قبل أشهر، تهدف إلى تقويض نفوذ الأمراء المعترضين على الإجراءات التي يقوم بها ولي العهد، وأن للحملة أهدافاً سياسية، فيما ترفض الرياض هذه المزاعم وتعبر بأن الهدف فقط هو محاربة الفساد.
وبحسب الشبكة الأميركية، اعترف محمد بن عبد الله الجدعان، وزير المالية السعودي، في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي أُقيم في دافوس بسويسرا الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني 2018)، بأنَّ السعودية شهدت انحداراً في عدد المستثمرين الراغبين في الدخول إلى أسواق رأس المال بعد حملة الاعتقالات الأخيرة، لكنه أضاف أنَّ نشاط الاستثمار الأجنبي وصل إلى مستوياتٍ قياسية جديدة منذ ذلك الحين.
وقال الجدعان في أثناء اجتماعٍ لمناقشة مستقبل الاقتصاد السعودي: “يُدرك المستثمرون أنَّ (حملة التطهير) خطوةٌ جيدة للاقتصاد في الواقع؛ فهي تخلق فرصاً متكافئة”.
ويتوقع مُحلِّلون أن يُنهي السعوديون حملتهم ضد الفساد قريباً، ربما قبل زيارة بن سلمان إلى الولايات المتحدة. وتقول الرياض إنَّها استرجعت أصولاً تزداد قيمتها على 100 مليار دولار عن طريق تسوياتٍ مالية مع النُخب المتهمة بالفساد.
وقال برنارد هيكل، أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون الأميركية والمُطَّلع على بعض أسرار المُقرَّبين من بن سلمان: “أعتقد أنَّ الناس سُعداء؛ لأن هذه الحملة أوشكت على الانتهاء، وأعتقد أنَّهم يأملون أن تكون هناك إشارةٌ واضحة إلى أنَّ هذه الحملة انتهت ولن تتكرر ثانيةً، وأن يوضَع حدٌ واضح لهذا الأمر”.
وأضاف: “أعتقد أنَّ الوقت لا يزال مبكراً، لكنَّ حدسي يخبرني بأنَّ الناس يتوقعون أنَّ الحكومة ستفعل ما ينبغي فعله؛ لأنَّهم يدركون أنَّ سيادة القانون أمرٌ مهم جداً لخلق بيئة استثمارية تحترم حرمة الممتلكات”.
تراجُع معدلات الاستثمار
بينما تستثمر المملكة العربية السعودية المزيد من المال خارج حدودها، فقد شهد الاستثمار الأجنبي المباشر بالمملكة انخفاضاً في السنوات الأخيرة، بحسب الشبكة الأميركية.
إذ قال ستيفن شوارزمان، رئيس مجلس إدارة شركة بلاكستون الأميركية التي تُعَد أكبر شركةٍ للأسهم الخاصة في العالم، إنَّ السوق لا ينبغي له أن يتوقع ارتفاعاً ملحوظاً للاستثمار بالسعودية.
وأضاف شوارزمان مُشيراً إلى خطة الإصلاح الشامل في أثناء النقاش الذي دار حول السعودية بدافوس: “أعتقد أنَّ الأمر سيتطلب بعض الوقت ليُدرك المجتمع الدولي ما يحدث في السعودية؛ ومن ثمَّ، يندمج داخل المنطقة ويستثمر فيها. وهذا أمرٌ منطقي جداً. فكلما شهدتَ حدوث تغيير كبير، أردتَ أن ترى ما سيؤول إليه هذا التغيير”، بحسب “سي إن بي سي”.
ومع ذلك، كان شوارزمان سعيداً بشأن آفاق الصناعات الجديدة، ولا سيما الترفيهية، في ظل تخفيف بن سلمان من القواعد الاجتماعية الصارمة.
وأضاف: “يُحب الجميع إمَّا الذهاب إلى السينما، وإما الذهاب إلى مدينة الملاهي، وإما فِعل أشياء يفعلها كل شخصٍ في العالم باستثناء السعوديين. فكيف سيفشل ذلك؟!”.
البنوك مهتمة بالوضع في السعودية
وقال محمد الشايع، الرئيس التنفيذي لمجموعة الشايع التي تعمل في امتيازات مبيعات التجزئة ويقع مقرها في الكويت، للشبكة الأميركية، إنَّ شركته تنوي استثمار المليارات في مراكز التسوق بالمملكة. وزَعَم أنَّ البنوك تُبدي اهتماماً أكبر في العام الجاري (2018) بتمويل المشروعات السعودية مقارنةً بالعام السابق (2017).
ومن ناحيةٍ أخرى، تنظِّم السفارة السعودية في واشنطن حالياً زيارة بن سلمان إلى الولايات المتحدة. وصحيحٌ أنَّ المتحدث الرسمي باسم السفارة رفض الإدلاء بأي تفاصيل، لكن من المُتوقع أن يجتمع بن سلمان مع ساسةٍ ومستثمرين وبعض قادة الأعمال من مدينة نيويورك وحتى وادي السيليكون.
وعلى الصعيد التكنولوجي، يُجري السعوديون محادثاتٍ مع شركة ألفابت الأميركية التي تمتلك شركة جوجل لبناء مراكز بيانات في المملكة، وقد يُكمِلون اتفاقاً مع شركة أمازون لبناء 3 حقول لتصنيع خوادم الحاسوب في أثناء الزيارة، بحسب ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية الأسبوع الماضي.
وقال كامل، مُمثِّل مجموعة أوراسيا، إنَّ بن سلمان لن يسعى فقط لتطوير مجالات المصالح المشتركة مع الحكومة الأميركية، وإثبات أنَّه جديرٌ بخلافة والده الملك سلمان بن عبد العزيز؛ بل يتطلَّع كذلك إلى توضيح الغرض من حملته ضد الفساد وجذب قادة الأعمال.
وأضاف: “لا تُعد هذه حملة علاقات عامة فقط؛ بل تهدف إلى بناء علاقاتٍ طويلة الأمد، وتأسيس سُبلٍ للتواصل المباشر مع بعض المديرين التنفيذيين”
هاف بوست عربي
قم بكتابة اول تعليق