10:38 PM 24/01/2018
قالت الصحافية إيما جراهام هاريسون، إن ما تشهده تونس من توترات حاليًا يذكرنا بأحداث عام 2011، التي أدت إلى انفجار ما يسمى بالربيع العربي. وأوضحت هاريسون في تقرير لها في صحيفة «الجارديان» أن قرية بلطة التونسية لم تتسع بما يكفي لسكانها الذين أرادوا الاحتجاج. فاضطروا للخروج إلى الطريق السريع. يقول أحد شبابها «هذا المكان صغير جدًا ولن يشعر أحد باحتجاجاتنا».
قطع العشرات منهم مفترق طرق خارجيًا لساعات أواخر العام الماضي، ودعوا الحكومة إلى حل مشكلة البطالة والفساد المزمن والخدمات العامة المتعثرة التي تعصف بالقرية الخلابة.
ولكن يبدو أن هذه القرية الصغيرة مثلت شرارة موجة جديدة من الاحتجاجات – تشير هاريسون – فبعد بضعة أسابيع انتقلت الاحتجاجات إلى مدن أكبر في جميع أنحاء البلاد، تخللتها أحيانًا أعمال عنف. فقد قُتل شخص واحد، وألقي القبض على المئات.
كانت شرارة هذا الغضب قانونًا جديدًا يقضي برفع أسعار الأساسيات بما في ذلك الغذاء والوقود، فضلًا عن سنوات من الإحباط بسبب الإخفاقات الحكومية ونكث الوعود، ولا سيما الخاصة بإيجاد فرص عمل لمئات الآلاف من الشباب.
مرت سبع سنوات منذ اندلاع ثورة الياسمين وهروب الديكتاتور ابن علي واشتعال الربيع العربي ولم يحدث جديد – تضيف هاريسون – لذا عاد التونسيون إلى الشوارع مطالبين بالتغيير، لترد السلطات باستخدام القوة. إن ما يُنظر إليها على أنها التجربة الديمقراطية الناجحة الوحيدة في عام 2011 قد انزلقت مجددًا في منحدر الديكتاتورية. ومجددًا، كان العاطلون عن العمل، والشباب المحرومون هم حاملي راية الاحتجاجات.
ثمة أسباب كثيرة تدعو للقلق بشأن مستقبل تونس، بدءًا من نسبة البطالة الهائلة، والاقتصاد المترنح، وارتفاع التضخم، والانخفاض الشديد في سعر العملة، وصولًا إلى الفساد والهجمات الإرهابية التي أضرت بصناعة السياحة الحيوية.
بيد أن ريتشارد سينكوتا – الباحث في علم السكان من مركز ستيمسون – يرى أن هناك أيضًا أسبابًا تدعو إلى التفاؤل، أحدها هو أن عدد السكان ينمو ببطء.
قال سينكوتا: «إن العلاقة بين الديمقراطية الليبرالية والهيكل العمري للبلاد هي العلاقة الأكثر تعرضًا للاختبار». كان سينكوتا قد تنبأ في عام 2008، أي قبل ثلاث سنوات من سقوط ابن علي، بأن تصبح دول شمال أفريقيا ديمقراطيات مستقرة خلال عقد من الزمن، مع كون تونس المرشح الأوفر حظًا.
كان ابن علي وسلفه الحبيب بورقيبة قد شجعا النساء على التعليم والعمل – تضيف هاريسون – مما ساعد على تقليص عدد الأطفال في معظم الأسر. ونتيجة لذلك، ينمو عدد السكان في تونس ببطء، ويبلغ متوسط الأعمار 30 عامًا تقريبًا. وهذا يتطابق مع ما شهدته بلدان مثل البرتغال وتايوان وشيلي في طريقها نحو الديمقراطية – توضح هاريسون – لذا فإن سينكوتا متفائل إلى حد ما من أن الدستور الجديد في تونس سيصمد حتى تنتهي الاضطرابات.
أضاف سينكوتا: «لا أحد قادر على التنبؤ بمستقبل تونس كديمقراطية. ومع ذلك، يراهن الديموغرافيون السياسيون على أن النظام الديمقراطي سيصمد، وحتى إذا حدث تعثر، فإن الحكومة التونسية ستبني سريعًا مجددًا مؤسساتها الديمقراطية. ومع ازدياد متوسط الأعمار، تواجه البلدان سنوات أقل من الصراع الأهلي. قد تحدث مظاهرات. وقد لا تحظى الحكومات بشعبية. ومع ذلك، فإن الحرب الأهلية غير شائعة إحصائيًا في البلدان التي يكون فيها متوسط العمر أكثر من 26 عامًا».
لكن المستقبل يبدو قاتمًا بالنسبة إلى بلدان الربيع العربي الأخرى – تواصل هاريسون كلامها. إذ كان ارتفاع نسبة الشباب في سوريا ومصر واليمن عاملًا رئيسيًا في الانتفاضات الشعبية التي هزت المنطقة. وارتفاع نسبة الشباب في هذه البلدان يشير إلى أن الاستقرار سيكون بعيد المنال عندما يتم الإطاحة بقادة الاستبداد. وهو ما حدث، فقد انزلقت اثنتان إلى الحرب، وعادت مصر إلى عهد الديكتاتورية.
وتؤكد هاريسون أن سنوات عدم الاستقرار قد تمتد في سوريا واليمن بسبب ارتفاع نسبة الشباب. وحتى مصر شهدت زيادة في المواليد بما قد يؤدي إلى زيادة عدد الشباب الغاضب.
إن عدد كبار السن في مصر أكبر من نظيره في البلدان الأخرى في الربيع العربي – تنوه هاريسون – حيث بلغ متوسط العمر 26 عامًا فقط في عام 2010، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة. لكنها انزلقت في أحد أكثر الصراعات وحشية في المنطقة بعد الإطاحة بمعمر القذافي. كما أن الاستقرار لا يعني دائمًا الديمقراطية؛ فالنظام في الصين مثلًا قائم على حكم الحزب الواحد ويبدو أنه يستفيد من وجود عدد أقل من الشباب الباحثين عن التغيير.
قم بكتابة اول تعليق