الحريري لا يُجاري السعودية في تصعيدها ويُفضِّل استمرار التسوية

رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أعلن بعد زيارته المفاجئة للرياض تمسكه بالاستقرار في لبنان .موقف الحريري جاء بعد ساعات على التصعيد السعودي ضد حزب الله ولبنان ما يشي باستمرار زعيم تيار المستقبل التمسك بالتسوية التي أوصلت العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة قبل نحو عام وبالتفاهمات الداخلية التي تحمي استمرار حكومته.

  “الضغوط الأميركية أو التهديدات السعودية مصدرها الرياض، وتحديداً الوزير الحامِل ملف “إزعاج حزب الله”، السبهان”

لا تزال الأوساط اللبنانية تترقّب الترجمة العملية لنتائج زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الرياض ومعرفة الخيار الذي اتّخذه الرجل، بعد زيارته المُفاجئة إلى الرياض ولقائه وليّ العهد السعودي وزير الدفاع محمّد بن سلمان والتي جاءت بعد فترة وجيزة جداً من الإطلالة التلفزيونية لوزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، والتي توعّد فيها مُجدّداً لبنان، ودعا اللبنانيين إلى أن يعلموا “مدى خطورة الوضع الراهن” وأن حزب الله “سوف يدخلهم في متاهات مستقبلية مع دول إقليمية ودول على مستوى العالم كافة”.

وقال إن السعودية ” عازِمة على اتّخاذ جميع الوسائل الرادِعة لحزب الله”.

كلام الوزير السعودي ليس جديداً في مضمونه فهو دأب منذ أشهر عدّة على التهجّم على لبنان وبعض قواه السياسية، ولكن الجديد في الأمر أن الرياض أعلنت أن كلامه يُعبِّر عن الموقف الرسمي السعودي، وبناء على هذه المُعطيات جاء استدعاء الرئيس الحريري إلى المملكة للقاء وليّ العهد ومن ثم السبهان، الأمر الذي تفسّره قوى 8 آذار بأنه محاولة سعودية لتوحيد صفوف 14 آذار (كانت تضمّ تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب وسبق للحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة النائب وليد جنبلاط أن خرج من صفوفها) لاتّخاذ مواقف أكثر تشدّداً تجاه حزب الله، وليس سرّاً أيضاً أنها تعتمد سياسة تصعيدية تجاه الحزب والجمهورية الإسلامية الإيرانية على الساحتين المحلية اللبنانية والاقليمية

وبرز ذلك واضحاً وجلياً في تغريدات السبهان الذي قال إنّ “لبنان بات تحت احتلال حزب الله ويجب جعله عبرة للآخرين لما يشكّله التنظيم المُرتبط بإيران من خطر على المنطقة بأسرها”. وكتب السبهان في تغريدة على موقع “تويتر” “ليس غريباً أن يعلن ويشارك حزب “الميليشيا الإرهابي” حربه على المملكة بتوجيهات من أرباب الإرهاب العالمي، ولكن الغريب صمت الحكومة والشعب في ذلك

بيد أنّ حزب الله كان قد سبق تغريدة السبهان الأخيرة، بشنّ هجوم عنيف على المملكة قائلاً على لسان النائب نواف الموسوي: “الجديد في الحملات السعودية على حزب الله، أنّها باتت تنطلق مما أسماه نائب الوفاء للمقاومة “أفواه النظام السعودي” مباشرة، بعدما كانت تصدر من “أفواه الحلفاء أو الأصدقاء” في لبنان، عِلماً أنّ السعودي لا يحالف أحداً، بل يشتري الناس بأمواله”.

لكن إلى أين ستصل التهديدات السعودية وهل سيضحّي الحريري بالتسوية السياسية التي توجِّت بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للبلاد قبل عام وتأليف حكومة برئاسة الحريري وتضمّ حزب الله وسائر القوى الأساسية اللبنانية؟

بحسب المُعطيات المتوافرة راهناً على الساحة اللبنانية فإن الواضح هو التمسّك بالتسوية الرئاسية – الحكومية، وإن جاءت ثمرة تنسيق سعودي – إيراني عبّر عنه وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف من دافوس في كانون الثاني/يناير الماضي عندما “دعا السعودية للتعاون في الحوار من أجل سوريا والعراق واليمن، كما حصل في لبنان وبات ينعم بالهدوء بانتخاب رئيس”.

“الرئيس غير مستعد للتضحية بتحالفه مع المقاومة مقابل بعض الإغراءات الخارجية أو بعض المزايدات”

ومن جهة ثانية، وبحسب المُحلّل السياسي اللبناني إبراهيم بيرم فإن حزب الله يقيم  على درجة من الاطمئنان سواء بالنسبة الضغوط الأميركية أو التهديدات السعودية على حزب الله مصدرها الرياض، وتحديداً الوزير الحامِل ملف “إزعاج حزب الله” السبهان، لن تفضي وفق تحليلات واستنتاجات إلى أيّ من الأمرين الآتيين:

فرْط عقْد التسوية الحالية بكل مندرجاتها ومراتبها تمهيداً لإدخال البلاد في مناخات الفوضى والاضطراب، وتبديد حال الاستقرار السياسي المشهود الذي يتجلّى يوماً بعد يوم بجملة إنجازات بدأت تتبلور تباعاً منذ انطلاق مسيرة العهد الرئاسي الذي يحتفي بنهاية عامه الأول، وهو عهد تتكوكب حوله الغالبية العظمى من المكوّنات السياسية مُستظلّة حكومة الرئيس سعد الحريري.

لن تتبلور أي عناصر ضغط مؤثّرة على الحزب وموجِعة من شأنها أن تصل إلى محاصرته وغلّ يديه عن الفعل، أو تحول دون مضيّه قدماً في نهجه المعلوم داخلياً وخارجياً.

في المُحصّلة لا يبدو أن الحريري سيستجيب بشكل كامل للإرادة السعودية عدا أن الرئيس عون وبعد ساعات على دعوات السبهان لتطيير حزب الله من الحكومة، عمد إلى إخراج قضية سلاح حزب الله من البازار السياسي مع قرب افتتاح الموسم الانتخابي. وأعلن بما لا يقبل الشك أن قضية هذا السلاح مرتبطة عضوياً بالحل الشامل في الشرق الأوسط، ما يعني أن أي بحث فيه لن يكون قبل التوصّل إلى التسوية الكبرى في المنطقة، والتي استعصت على الحل منذ أكثر من سبعة عقود، ولا شيء يشي بقرب حلّها في العقود السبعة المقبلة، ما يعني أن التحالف والتفاهم بين الرئيس وحزب الله لا يزال البوصلة التي تحكم العلاقة بين الطرفين، ولن يغيّرها انتخاب عون، لا بل على العكس أعلن الأخير مواقف لافتة من المقاومة تجاوزت ما كان يعلنه قبل انتخابه، وهذا يقود إلى قناعة مفادها أن الرئيس غير مستعد للتضحية بتحالفه مع المقاومة مقابل بعض الإغراءات الخارجية أو بعض المزايدات، مع تمسّكه بالتسوية التي عبّر عنها الرئيس اللبناني في مقابلة صحفية حين قال “ربما يعمد هذا الحزب أو ذاك قبل الانتخابات النيابية، أي لأسباب انتخابية، إلى محاولة إثارة القلاقل سياسياً، ولكن التسوية صامدة والأمن لن يهتزّ. ونحن ماضون في القيام بما يلزم لترسيخ الاستقرار. والأمن يشكّل ضمانة للجميع وهو ركيزة الاستقرار. ويمكن القول أن لبنان ينعم باستقرار أمني أكثر مما هي الحال في الدول الأوروبية”.

“.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن