
دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون القضاة الى الابتعاد عن أي تصرف قد يسهّل ضرب سمعتهم، لان “سمعة القضاء هي من سمعة القضاة”، معتبرا انه أصبح لزاماً علينا أن نعيد النظر في النظام الذي يرعى مؤسساتنا القضائية، “من خلال مقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الشوائب والنواقص والثغرات في قلب النظام القضائي”.
وقال الرئيس عون: “قد نذهب بالتغيير الى جعل القضاء سلطة منتخبة فتصبح حكماً سلطة مستقلة مع استقلالٍ إداريٍ، وهكذا نفصل فعلياً بين السلطات مع وضع التشريعات اللازمة لخلق التوازن في ما بينها.”
واذ لفت رئيس الجمهورية الى ان هذا التغيير قد يتطلب وقتا ودونه صعوبات، فإنه شدد على “الحاجة الى تعديل الكثير من القوانين الإجرائية غير المفيدة، وما اكثرها، وخصوصاً تلك التي تطيل المهل بدون حاجة فلا يتأخر البت في الدعاوى” لاسيما وان المواطن لا يستطيع أن يفهم كيف لبعض القضايا أن تأخذ سنوات حتى تصدر أحكام القضاء فيها، مشددا على “أن العدالة المتأخرة ليست بعدالة، وقد آن الآوان للخروج من هذه المعادلة”.
وشدد الرئيس عون على مسؤولية القضاة في نهوض الاقتصاد الوطني، معتبرا “ان الامن وحده لا يكفي لاستقطاب الاستثمارات ما لم يكن متلازما مع قضاء سليم”، معلنا الثامن من حزيران يوم استشهاد القضاة الاربعة يوما لشهداء القضاء في لبنان.
مواقف الرئيس عون جاءت خلال رعايته احتفال افتتاح السنة القضائية 2017-2018 الذي اقيم بعد ظهر اليوم للمرة الاولى منذ سبع سنوات في قاعة “الخطى الضائعة” في قصر العدل تحت شعار “باسم الشعب تبنى الدولة”، وحضره رئيسا مجلس النواب نبيه بري ومجلس الوزراء سعد الحريري، الرئيسان السابقان امين الجميل والعماد ميشال سليمان، رئيس مجلس النواب الاسبق حسين الحسيني، والوزراء سليم جريصاتي، يعقوب الصراف، سيزار ابي خليل، اواديس كيدانيان، طارق الخطيب، ورائد خوري وعدد من النواب ووزراء ونواب سابقون، وسفراء عرب واجانب .
كما حضر رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد واعضاء المجلس، رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان، رئيس مجلس شورى الدولة القاضي هنري يوسف الخوري ونقيبا المحامين في بيروت انطونيو الهاشم وطرابلس والشمال فهد المقدم واركان السلطة القضائية.
كما حضر قائد الجيش العماد جوزف عون وعدد من قادة الاجهزة الامنية والقضاة وعدد من المحامين والمدعوين.
كلمة الرئيس عون
وبعد انشودة ” هيك العدل بدو” التي القى كاتبها الشاعر نزار فرنسيس بعض كلماتها، القى الرئيس عون كلمة جاء فيها:
“قبل أن أبدأ كلمتي، أعلن يوم 8 حزيران، يومَ استشهاد القضاة الأربعة، يوماً لشهداء القضاء في لبنان.
أيها الحضور الكريم،
يا حرّاس العدالة،
خلال الحرب العالمية الثانية، وعندما كانت لندن تقصف بالقنابل والصواريخ النازية، يروى أن تشرشل سأل معاونيه عن وضع القضاء، فأُجيب بأنه ما زال يعمل على أكمل وجه، عندئذ اطمأن تشرشل وقال إن بريطانيا بألف خير.
ما كان يعنيه رئيس الوزراء البريطاني أن القضاء هو الحجر المفتاح في عقد المؤسسات، إن هو سقط، سقطت معه جميع المؤسسات، وانهارت الدولة بكاملها.
والقضاء الذي أتكلم عنه هو جميع المؤسسات التي تفصل في القضايا الخلافية وتصدر الاحكام، وتحدّد أيضاً صحة أو عدم صحة التشريع في حال الطعن به.
لقد تناولت الشائعات القضاء في مختلف مواقعه، متهمة إياه بالفساد وعدم الفعالية، وبالتبعية للسلطات السياسية التي ألغت استقلاليته وفرضت على قسمٍ من القضاة ضغوطاً جعلتهم ينحرفون عن السلوك القويم، ويبتعدون عن الأداء الصحيح، وينسون أن عليهم إحقاق الحق في المقاضاة بين الناس.
وعندما تتكاثر الشائعات وتتكرّر، تصبح يقيناً في ذهن الناس، وتشمل الصالح والطالح معاً، وتقتل الحس النقدي عند الشعب، فيحكم على الجميع بالفساد. وهذا أسوأ ما يصاب به مجتمع، لأنه يؤدّي الى فقدان الثقة بين المؤسسات والشعب.
ويجب أن لا ننسى أن الإنسان سمعة، وإن أسوأ الحروب التي قد تخاض على امرئٍ هي تلك التي تسعى لتدمير سمعته. من هنا، ضرورة أن يتنبّه القاضي الى أنه ينتمي لمجتمع له سلوكه الخاص، وأيضاً له عاداته وتقاليده، وأن يبتعد عن أي تصرف قد يسهّل ضرب سمعته؛ فسمعة القضاء هي من سمعة القضاة.
وأمام هذه الأوضاع التي تسود اليوم أجواء الرأي العام أصبح لزاماً علينا أن نعيد النظر في النظام الذي يرعى مؤسساتنا القضائية، من خلال مقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الشوائب والنواقص والثغرات في قلب النظام القضائي، فنحصّن بذلك استقلاليته ونزاهته، ونعدّل في القوانين الإجرائية لنزيد فعاليته.
وقد نذهب بالتغيير الى جعل القضاء سلطة منتخبة فتصبح حكماً سلطة مستقلة مع استقلالٍ إداريٍ، وهكذا نفصل فعلياً بين السلطات مع وضع التشريعات اللازمة لخلق التوازن في ما بينها.
أعرف مسبقاً أن هناك بعض المعترضين على هذا النحو من التفكير، وهذه الحالة طبيعية جداً لأن أي تغيير، وفي أي قطاع كان، يخلق جواً من القلق، فهو يحرك الركود القائم ويتطلب تأقلماً جديداً في ظروفٍ وشروطٍ جديدة.
ولكن هذا التغيير يتطلب وقتاً، ودونه صعوبات. وبانتظار إتمامه، يجب أن نعي أن أي تشريع أو تنظيم لا قيمة لهما، ولا يضمنا أي عدالة، إن لم يتمتّع القَيّم على تطبيقهما بصفات مميزة تحصّنه أخلاقياً، وبكفاءة واستقلالية، وبضميرٍ نيّر يذكّره دائماً بأن واجبه هو إحقاق الحق، ويمنحه المناعة ضد السقوط بالخوف أو بالإغراء.
وإن كان القضاء السليم يقوم على الاستقلالية والنزاهة والكفاءة، فتبقى الحاجة الى تعديل الكثير من القوانين الإجرائية غير المفيدة، وما اكثرها. وخصوصاً تلك التي تطيل المهل بدون حاجة، فتتكدّس الملفات على الطاولات وفي الخزائن. وبمثل هذه التعديلات نقتصد الوقت ونضمن فعالية أفضل، فلا يتأخر البت في الدعاوى؛ فالمواطن لا يستطيع أن يفهم كيف لبعض القضايا أن تأخذ سنوات حتى تصدر أحكام القضاء فيها، كمثل جريمة قتل موثقة بالصوت والصورة، شهدها العشرات بأم العين، ومئات الآلاف عبر الفيديو المصور، ومع ذلك، لم تزل في أدراج المحكمة منذ أكثر من سنتين، ولا أحد يعرف متى تنتهي.
أو محاكم المطبوعات مثلاً حيث الجرم يكون في سطرٍ من مقال موقّع، وتنام فيها الأحكام لسنوات. وغيرها الكثير من القضايا والدعاوى النائمة.
فلنتذكر جميعاً أن العدالة المتأخرة ليست بعدالة، وقد آن الآوان للخروج من هذه المعادلة.
وتجاه ما يصدر عبر بعض وسائل الاعلام من اتهامات لمسؤولين في السلطة أو خارجها، أو اختلاق أحداث غير صحيحة قد تسبب قلقاً في المجتمع، كما حصل في الآونة الآخيرة من بثٍ لشائعات طالت ركائزه الأساسية، كالوضع المالي واستقرار الليرة، والوضع الأمني، والمؤسسة العسكرية بالإضافة الى إطلاق الاتهامات العشوائية بالصفقات والفساد… يتساءل المواطنون لماذا لا يقوم القضاء بالاستماع الى المتهِم أولاً كشاهد، وفي هذه الحالة لا حصانة لأحد، فإن كان صادقاً نوقف مجرماً، وإن كان كاذباً نوقف مروِّج شائعات تمس بسمعة الآخر وتضلّل المجتمع وتضرب الثقة بين الناس؛
وهنا اسألكم هل نستطيع بناء مجتمع متضامن أناسه لا يثقون ببعضهم البعض؟ لذلك فإن مسؤوليتكم كبيرة.
وفي السياق نفسه، إن مسؤوليتكم في نهوض الاقتصاد الوطني لا تقلّ أهميّة، لأن الأمن وحده لا يكفي لاستقطاب الاستثمارات ما لم يكن متلازماً مع قضاء سليم؛ إذ لا يقوم اقتصاد مزدهر في بلد يتخلّف فيه القضاء عن القيام بواجبه، ولا يحفظ حقوق المستثمرين، أو يسمح لعامل الوقت أن يضيّعها.
لقد جرت العادة أن من يريد الاستثمار في لبنان يبحث دائماً عن غطاء سياسي قبل الشروع بمشروعه، بينما الوضع السليم يفرض أن يكون القضاء هو الغطاء، وهو صمام الأمان.
ولنتذكّر أيضاً أن من أهم ما يرفع القضاء ويجعله في قمة الإرتقاء هو محاسبته لذاته على أدائه، مما يزيل عنه كل الشكوك ويرسم حوله هالةً من الوقار والاحترام. ومن أجل هذه الغاية يجب أن تتوفّر للقضاء أجهزة مراقبة ترصد الاخطاء في الأحكام الناتجة عن عدم الكفاءة أو عن عدم النزاهة أو لأي سبب آخر.
إن القاضي في جوهره هو ضمير واستقامة ومثابرة قبل أن يكون معرفةً قانونية، وإذا ضاع هذا الجوهر سقط القضاء وانتصر القدر. عندها يصح فينا القول بأننا نعيش قضاءً وقدراً.
عشتم، عاش القضاء، عاش لبنان”
بعد ذلك، قدم القاضي فهد هدية للرئيس عون هي عبارة عن تمثال لسيدة العدالة اللبنانية المصنوعة من خشب الارز من تصميم وتنفيذ النحات رودي رحمة، متوجها الى الرئيس عون بالقول: “للعدالة رمزها وللجمهورية كنزها”.
ثم التقطت الصور التذكارية، واقيم حفل كوكتيل بالمناسبة قطع خلاله الرئيس عون مع الرئيسين بري والحريري والقاضي فهد قالب حلوى عليه رمز مجلس القضاء الاعلى.
==========================================================
الرئيس عون مستقبلاً وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية: لبنان يرفض توطين أحد على أراضيه
ابلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية وشؤون الكومنولث والتنمية الدولية أليستير برت Alistair Bur
t خلال استقباله له ظهر اليوم في قصر بعبدا، أن لبنان يطالب بالاسراع في ايجاد حل نهائي للأزمة السورية “لأن اي تأخير في هذا الحل يزيد من معاناة السوريين ومن تداعيات نزوحهم اليه”، مؤكداً أن “لبنان يرفض توطين أحد على أراضيه.”
وخلال اللقاء الذي حضره سفير بريطانيا في لبنان هوغو شورتر والوفد البريطاني المرافق، أكد الرئيس عون على العلاقات المتينة التي تربط لبنان بالمملكة المتحدة، شاكراً الدعم الذي قدمته للجيش اللبناني لاسيما في تدريب افواج الحدود البرية المنتشرة على الحدود الشرقية للبنان، داعياً الى زيادة المساعدات البريطانية للجيش اللبناني للحفاظ على الاستقرار ومكافحة الارهاب.
وعرض الرئيس عون لموقف لبنان من النزوح السوري لافتاً الى ان لبنان يتحمل عبئاً كبيراً نتيجة هذا النزوح، وأنه راسل رؤساء الدول الخمس الاعضاء الدائمين في مجلس الامن والامين العام للامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية للعمل على ايجاد حل لمعاناة النازحين لأن لبنان لم يعد قادراً على معالجة التداعيات الامنية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن هذا النزوح.
وفيما شكر الرئيس عون بريطانيا على دعمها التمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب، لفت الى استمرار الخروقات الاسرائيلية لقرار مجلس الامن الدولي الرقم 1701 داعياً بريطانيا الى التدخل لوقف الاعمال الاسرائيلية العدائية ضد لبنان ووقف التهديدات التي تزايدت في الآونة الاخيرة. كما طلب الرئيس عون دعم بريطانيا لرغبة لبنان في أن يكون مركزاً دوليا لحوار الاديان والحضارات والاعراق. ودعا رئيس الجمهورية الى الاسراع في ايجاد حل عادل وشامل ودائم لأزمة الشرق الاوسط لأنه مفتاح الاستقرار في المنطقة.
وكان الوزير البريطاني أكد رغبة بلاده في تطوير العلاقات الثنائية في المجالات كافة لاسيما منها المجالين العسكري والاقتصادي، مقدّراً استضافة لبنان لأعداد كبيرة من النازحين السوريين ومؤكداً ان بلاده ستواصل تقديم المساعدات لهم. كما نوّه بالانجاز الذي حققه الجيش اللبناني في تحرير الجرود من الارهابيين، معزياً بالشهداء العسكريين الذي سقطوا خلال المواجهات مع تنظيم “داعش” والذين كانوا خطفوا في العام 2014. وقال ان بلاده تتطلع الى دعم الاقتصاد اللبناني والمشاريع التنموية فيه وكل ما من شأنه ان يساعد في التخفيف من تداعيات النزوح السوري الى لبنان. وأبدى حماسة الحكومة البريطانية لمطلب لبنان في أن يكون مركزا لحوار الحضارات، وقال أن بلاده تتفهم الاسباب التي جعلت الرئيس عون يقدم هذا الطلب، إذ أن للبنان سجلا حافلا في التعايش والحوار بين مختلف الشعوب والحضارات.
قم بكتابة اول تعليق