
وفي الواقع سوف يحدث ذلك فقط عندما يتم تأميم البترول – وبعد ذلك بست سنوات تم اغتيال السعيد في شوارع بغداد عندما حاول الهروب مرتديًا زى امرأة. وبعد مرور نصف قرن عاد البريطانيون للسيطرة على البصرة، وبينما يحارب العراقيون اليوم لمنع الاستيلاء على آبار بترول بلدهم المشتتة، يُصر الساسة الأمريكيون والبريطانيون مرة أخرى على الديمقراطية.
وأي دولة من دول “الربيع العربي” تتخلى عن حق تقرير مصيرها بنفسها من أجل احتضان الغرب يمكن بالفعل أن تتوقع مصيرًا مشابهًا- تمامًا مثل الأنظمة العميلة التي لم تترك مدارها قط، كالدولة البوليسية الفاسدة في الأردن، والتي يُدعى أنها نماذج للقيادة الرشيدة و”الاعتدال”.
- لا تنسى شعوب الشرق الأوسط تاريخها – حتى لو نسيت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ذلك
لا يمكن أن تكون الفجوة أوسع من ذلك. وعندما حذر محمد هيكل الصحفي المحنك ووزير الإعلام في عهد جمال عبد الناصر الثورات العربية أنَّه يتم استخدامها لفرض
“اتفاقية سايكس – بيكو” جديدة – عندما قامت الحرب العالمية الأولى بتقسيم الشرق العربي بين بريطانيا وفرنسا – فهم العرب وآخرون في الشرق الأوسط ماذا يقصد بالضبط.
فهي قامت بتشكيل المنطقة بالكامل وعلاقاتها مع الغرب منذ ذلك الحين. لكن بالنسبة لأغلب غير المتخصصين في بريطانيا وفرنسا، من الممكن أن تكون سايكس بيكو أيضًا بمثابة علامة تجارية غامضة على مبشرة الجبن الكهربائية.
وهذا ينطبق أيضًا على أكثر من قرن من التدخل والاستعمار والتدمير غير الديموقراطي البريطاني الأمريكيضد إيران. وعبَّر الإعلام البريطاني عن حيرته إزاء كراهية الشعب الإيراني لبريطانيا عندما تم تدمير السفارة في طهران الشهر الماضي على يد متظاهرين. ولكن إذا كنت تعرف السجل التاريخي، فهل هناك شيء أقل غرابة؟
الإطاحة بمصدق، عام 1953. British Pathé
تم تبني مبدأ الشك عند أورويل في الدور البريطاني بشكل مثير للاهتمام من قِبل باثي عند تناول الإطاحة بالقائد الإيراني المنتخب ديمقراطيًا محمد مصدق عام 1953 بعد أن قام بتأميم البترول الإيراني.
تم وصف المتظاهرين المؤيدين لمصدق بالعنف والتدمير، بينما نظمت المخابرات البريطانية والأمريكية العنيفة انقلابًا لطرده في مقابل الترحيب بالشاه باعتباره شخصية محبوبة و”تحولاً دراميًا للأحداث”. وألقت الأفلام التسجيلية اللعنات على “الديكتاتور الافتراضي” المنتخب مصدق، والذي أعلن أثناء محاكمته اللاحقة بتهمة الخيانة العظمى عن أمله في أن يصبح مصيره مثالاً “لكسر قيود عبودية الاستعمار”. وتم تقديم الديكتاتور الحقيقي كحاكم للشعب، وهو الشاه المدعوم من الغرب والذي مهدت رجعيته الوحشية الطريق للثورة الإيرانية والجمهورية الإسلامية بعد ذلك بنحو 26 عامًا.محمد مصدق، رئيس الوزراء المطرود، أثناء محاكمته في وجود المخابرات البريطانية والأمريكية التي نظمت انقلابًا للإطاحة بحكومته المنتخبة في عام 1953. الصورة: إيه أف بي
وهكذا عندما ينتقد الساسة الغربيون التسلطية الإيرانية بقسوة أو يتقمصون دور البطولة في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية بينما لا يزالون مستمرين في مساندة الأنظمة الديكتاتورية في الخليج، فلن يكون هناك الكثير في الشرق الأوسط ممن يأخذون ذلك على محمل الجد.
- يقدم الغرب دائمًا العرب الذين يصرون على إدارة شئونهم الخاصة كمتعصبين
لم تكن الثورة التي بدأت في ديسمبر الماضي في سيدي بوزيد أول ثورة شعبية تقوم ضد الحكم التعسفي في تونس. ففي الخمسينيات أدانت الحكومات الاستعمارية وداعموها بطبيعة الحال الحركة المناهضة للحكم الاستعماري الفرنسي بوصفها حركة “متطرفة” و”إرهابية”.
ولم يكن لدى باثي نيوز في الواقع أي اتصال بحملتهم من أجل الاستقلال. وفي عام 1952، تم إلقاء تهمة الهجوم على قسم شرطة على “مجموعة من القوميين المتعصبين” في شمال إفريقيا. وبينما قامت الشرطة الاستعمارية بعملية “بحث نشيطة عن الإرهابيين” – على الرغم من أن الرجال المذهولين الذين كان يتم سحبهم من منازلهم تحت تهديد السلاح كانوا يبدون أقرب إلى “المشبوهين العاديين” لكابتن رينولت في كازابلانكا – حين يشتكي المُقدم من أن “المتعصبين يتدخلون مرة أخرى ويزيدون من صعوبة الموقف”.
إضراب القوميين التونسيين، عام 1952.
وعنى بذلك القوميين التونسيين بالتأكيد، وليس النظام الاستعماري الفرنسي. وقد خفت نجم القومية العربية منذ نشأت الحركات الإسلامية، والتي تم إقصاؤها بوصفها حركة “متعصبين”، وذلك من جانب الغرب وبعض القوميين السابقين. ولأنَّ الانتخابات تأتي بحزب إسلامي تلو الآخر في العالم العربي، فإنَّ أمريكا وحلفاءها يحاولون ترويضهم – على السياسة الأجنبية والاقتصادية، بدلاً من تفسيرات الشريعة. والذين يخضعون لذلك سوف يتم اعتبارهم “معتدلين” – أما الباقي فسيظل من “المتعصبين”.
- التدخل العسكري الأجنبي في الشرق الأوسط يأتي بالموت والدمار والتقسيم والحكم
ليست هناك حاجة للبحث في السجلات التاريخية لاستنتاج تلك الحقيقة. فتجربة العقد الأخير واضحة بشكل كافٍ. وسواءً كان ذلك غزوًا واحتلالاً بشكل كامل مثل العراق، حيث تم قتل مئات الآلاف، أو قصفًا جويًا لتغيير النظام تحت شعار”حماية المدنيين” في ليبيا، حيث تم قتل عشرات الآلاف، فقد كانت الخسائر البشرية والماديةكارثية.
وكان هذا هو الحال طوال التاريخ المشئوم للتدخل الغربي في الشرق الأوسط. ويمكن لفيلم باثي الصامت لتخريب دمشق على يد القوات الاستعمارية الفرنسية خلال الثورة السورية عام 1925 أن يقدم صورة شبيهة للفلوجة في عام 2004 أو سرت في هذا الخريف – وذلك بغض النظر عن الطرابيش والخوذات.
دفاع دمشق، عام 1925.
وبعد ثلاثين عامًا بدت بورسعيد في وضع مشابه خلال العدوان البريطاني الفرنسي على مصر عام 1956 الذي ميز حلول الدول الاستعمارية الأوروبية السابقة محل الولايات المتحدة كقوة مسيطرة في المنطقة.
العملية البريطانية – الفرنسية في قناة السويس، عام 1956.
وهذا الفيلم التسجيلي للقوات البريطانية وهي تهاجم السويس، وقوات الغزو وهي تحتل وتدمر مدينة عربية أخرى، بيروت أو البصرة مثلاً – قد أصبح من الملامح المميزة والمعتادة للعالم المعاصر ورابطًا مباشرًا بالعصر الاستعماري.
القوات البريطانية تحيط بالحشود الجائعة أمام أطلال بورسعيد، التي تم تدميرها خلال العدوان البريطاني – الفرنسي على مصر في عام 1956. صورة: جيتي
وهكذا كانت الخطط الإمبريالية التقليدية لاستخدام الدين والانقسامات العرقية لتقوية الاحتلال الأجنبي: سواء من الأمريكيين في العراق أو الفرنسيين في سوريا أو لبنان أو البريطانيين أينما ذهبوا تقريبًا. ويمتلئ أرشيف باثي بالأفلام التسجيلية التي تروج للقوات البريطانية باعتبارها تعمل على “الحفاظ على السلام” بين الطوائف المتناحرة، من قبرص حتى فلسطين – وكل هذا لصالح استمرار السيطرة.
والآن تعمل التقسيمات الطائفية والعرقية التي فُرضت تحت الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق والتي تم حشدها بواسطة حلفاء الغرب في الخليج للتخلص من تحديات الصحوة العربية أو تحويل مسارها: ومثلما حدث في قمع الثورة البحرينية، وعزل اضطرابات الشيعة في المملكة العربية السعودية وزيادة الصراع الطائفي في سوريا – لن يؤدي التدخل الأجنبي إلا إلى رفع نسبة القتل ومنع السوريين من حق السيادة في وطنهم.
- الرعاية الغربية للاستعمار في فلسطين هي عقبة دائمة في وجه العلاقات الطبيعية مع العالم العربي
كان يُمكن ألا يتم إنشاء دولة إسرائيل لولا الحكم الاستعماري لبريطانيا الذي دام ثلاثين عامًا في فلسطين ورعايتها للاستعمار الأوروبي اليهودي على نطاق واسع تحت شعار وعد بلفور عام 1917؛ وكان من الواضح أن فلسطين المستقلة ذات الأغلبية الفلسطينية العربية لم تكن لتقبل بهذا أبدًا.
القوات البريطانية في نابلس، عام 1939. British Pathé
وتتجلى الحقيقة المقنعة في هذا المقطع لباثي نيوز من وقت الثورة العربية ضد التفويض البريطاني في نهاية الثلاثينيات حيث يعرض الجنود البريطانيين وهم يحاصرون الفلسطينيين “الإرهابيين” في مدينتي الضفة الغربية المحتلة نابلس وطولكرم – تمامًا كما يفعل خلفاؤهم الإسرائيليون اليوم.
إن سبب شعور المستوطنين اليهود بالأمان، كما يعلن المُقدم ذلك بنبرات حادة لاهثة في التعليق الصوتي المميز لفترة الثلاثينيات، هو “القوات البريطانية اليقظة دائمًا، والحامية دائمًا”. وانهارت العلاقة بعد تقييد بريطانيا للهجرة اليهودية إلى فلسطين عشية الحرب العالمية الثانية.
وكان رد الفعل الاستعماري لبريطانيا، في فلسطين وفي أماكن أخرى، هو دائمًا الظهور باعتبارها “راعية القانون والنظام” ضد “تهديد الثورة” و”سيدة الموقف” – كما يبدو في هذا الفيلم الإخباري المضلل عام 1938 من القدس