
الخميس 29 حزيران 2023 -مقالات مميزة النشرة
الغرب تضامن مع بوتين ضد فاغنر
انتهت قضية تمرد مجموعة “فاغنر” الشهيرة بقيادة يفغيني بريغوجين بسرعة قياسية، على الرغم من خطورتها ودقتها والقلق الكبير الذي تركته، ليس فقط في روسيا، بل في مختلف دول العالم. ولكن اللافت في الموضوع ان هذه السرعة في انهاء التمرد، وباقل قدر ممكن من الخسائر البشريّة، يعود قسم كبير منه الى موقف الدول الغربيّة التي طبّقت مقولة المثل اللبناني الشهير: “انا واخي ضد ابن عمي، وانا وابن عمي ضد الغريب”.
لا شك ان اتخاذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً سريعاً وحاسماً برفض التحرك الذي بدأه صديقه بريغوجين، له الفضل الأول في انهاء هذا الموضوع بسرعة، ولكن الأهمّ انّ الدول الغربيّة كان لها دور حاسم ايضاً في هذا المجال. ولشرح هذا الموقف، لا بد من التوقف عند قرار قائد “فاغنر” التمرد على الجيش الروسي، وهو يدرك جيداً مخاطر الانتفاضة على جيش دولة عظمى، وبالتحديد على رئيس روسي متحدر من جهاز الاستخبارات “كاي. جي. بي” الذي لا يرحم الخيانة او التمرد او حتى معارضة الرأي.
اخطأ بريغوجين في حساباته، فبِغَضّ النظر عن الأسباب الحقيقيّة للخلاف بينه وبين المسؤولين العسكريين وما اذا كان مردّها لاسباب ماليّة او امتيازات او مناصب لم تجد طريقها الى الواقع، اعتبر قائد “فاغنر” ان عديد مجموعته (البالغة نحو 50 الف مقاتل من المرتزقة الاشدّاء)، واعتماد الكرملين عليه لتحقيق الانجازت بشكل رئيسي في أوكرانيا وللقيام بعمليات خاصة في مختلف انحاء العالم، إضافة الى رهانه على عامل الوقت بحيث اعتباره ان كل تأخير في البتّ بمسالة التمرّد سيعطيه فرصاً اكبر لتحقيق أهدافه ولاستقطاب داعمين له ليس فقط في الداخل الروسي (قادة عسكريين يعرفهم تمام المعرفة ويمسكون بمفاتيح الجيش الروسي ويمكنهم في أي وقت قلب الطاولة على رأس النظام الروسي)، بل بصورة رئيسية في الخارج وتحديداً الغرب.
إضافة الى كل ذلك، كان بريغوجين يدرك تماماً قيمة العسكريين لدى بوتين، وهو (أيّ قائد فاغنر) لم يشك للحظة ان الرئيس الروسي وجيشه قادران على سحق التمرّد ومجموعته انما بثمن مرتفع جداً، وفي خضم حرب دائرة في أوكرانيا تحتاج فيها روسيا الى كل من بمقدوره حمل السلاح. هذه الأفكار راودت الصديق المقرب من بوتين، ولكن ما حصل هو انّ عامل الوقت خذله، فكان الردّ الروسي السريع والحاسم اولاً، ويقينه انّ الدول الغربية لن تقف معه مطلقاً، ليس بسبب حبّها لبوتين، بل بسبب تخوفها من الفلتان الشامل لدولة عظمى تمتلك أسلحة نوويّة ويمكن ان تتسبب الفوضى فيها بمشكلة مستعصية في أوروبا والقارة الآسيويّة، وقد تشهد خروج المارد الصيني من قمقمه العسكري والتدخّل لمنع انتشار الفوضى. هذا الموقف الغربي السريع، اتى لصالح الرئيس الروسي الذي قام بـ”ضربة معلم” من جهّته، واتفق مع الرئيس البيلاروسي فيكتور لوكاشينكو على التدخل للاعفاء عن بريغوجين ومقاتليه على الرغم من التمرّد العسكري، وهي سابقة في طريقة تعاطي بوتين مع مثل هذه الاحداث، وهو الذي قال بعد ساعات قليلة على حصولها بأن المجموعة ستواجه عواقب وخيمة وقاسية، فإذا به يعفي عن المقاتلين ويشجّعهم على الانضمام الى الجيش الروسي او البيلاروسي، لانّه يحتاجهم ويعلم انّ خبرتهم هي امر يريده بشدة للاستمرار في حربه على أوكرانيا.
من هنا، يمكن فهم موقف بريغوجين الذي وجد نفسه خارج المسار الذي كان رسمه، وانه سيكون وحيداً في معركة ستنتهي بخسارته كل شيء، فكان خيار الموافقة على وساطة لوكاشينكو، والتسليم بأن دوره قد انتهى عملياً، ولكنه نجح في الحفاظ على ماء الوجه، فيما بات مصير المجموعة القتاليّة الأكبر والأخطر في مهب الريح.