اللاجؤون السوريون: بين الاندماج في المجتمع اللبناني واشكاليته

من المعروف ان الاندماج الإجتماعي اي عملية التكييف الاجتماعي بين المجموعات المختلفة ،داخل المجتمع الواحد،هو عملية يتم اللجوء إليها عندما يحصل هناك انتقال لجماعات معينة ،وتحت وطأة ظروف قسرية،من مكان الى آخر قد يكون هذا الاخير خارج حدود الدولة التي تنتمي اليها هذه الجماعات ،فياخذ عندها شكل اللجوء الى الدولة المستضيفة أو المستقطبة.
ومن المعروف ايضا ان المجتمعات تتماسك من خلال شبكة من العلاقات والمصالح المتعددة والتي تحتاج الى تنظيم وترتيب وذلك للحصول على اقل شكل ممكن من التضارب والتقاتل بين افرادها بسبب الاختلاف بين هذه المصالح.
ويزيد الامر تعقيدا عندما نحاول دمج مجموعات او لنقل جماعات جديدة آتية من خارج المجتمع ،فيحصل نوعا من التجاذب و التضارب وهو امر طبيعي ،مما يدل على حقيقة وهي ان الاندماج أمر صعب ومعقد ويحتاج الى خطة غير عشوائية وذلك من اجل تحقيق الغاية المرجوة منه. فهذه الجماعات التي يفترض اندماجها داخل المجتمع،تحمل مخزونا من الثقافة والقيم والظروف
المرافقة وتنقلها الى الدولة المستقبلة التي تملك بدورها ثقافة اخرى وافكارا اخرى وظروفا مغايرة ومختلفة بالطبع.
وهكذا فان هذه الجماعات التي اكتسبت أنماطا معينة في طريقة عيشها وعلى كافة الاصعدة ،تحاول التكيف من خلال هذه الانماط ،مما يجعل هذا التكيف اكثر تعقيدا وقد يصل الامر الى حد عدم تقبل هذه الجماعات الثقافة السائدة فيخلق ذلك عزلة لهذه الجماعات عن مجتمع الدولة المستقبلة لها.

واذا ما اضفنا الاوضاع الاجتماعية والإقتصادية على مستوى الظروف المرافقة وكذلك قدرة هذه الجماعات على تفهم قوانين الدولة المستقبلة والى ما هنالك من ظروف ،لأدركنا كم ان عملية الاندماج بمراحلها صعبة ومعقدة!

لبنان اختبر تجربة اللجوء السوري، وهو لجوء انساني بالطبع ، والذي حصل بسبب وجود اعمال عسكرية وظروف قاسية دفعت بالمواطنين السوريين الى الانتقال خارج حدود دولتهم .وهنا بدأت بطبيعة الاحوال محاولات الاندماج داخل المجتمع اللبناني ، وبالتالي بدأت المراحل المطلوبة لحصوله والتي تبدأ بالتضامن الاجتماعي ثم التكيف وصولا الى الاندماج الحقيقي.

وقد حمل هذا اللجوء الانساني ظروفا معينة مندرجة تحت عنوانين اجتماعي واقتصادي ،وكان لهذه الظروف اثرها على عملية الاندماج تلك. وهنا يمكننا تسجيل عدة نقاط تصب في اطار الواقع المعاش لهؤلاء اللاجئين انطلاقا من الدراسات الميدانية الحاصلة في هذا الصدد.

1-ان هناك نسبة كبيرة من اللاجئين تقبع تحت وطأة الفقر الشديد،كما ان معظم انفاقهم يصب في خانة الغذاء الذي شكل هنا اولوية لدى اللاجئين.

2-ان هناك نسبةكبيرة من اللاجئين هم تحت سن العشرين وهناك نسبة كبيرة ايضا ولدت بعد حدوث الازمة السورية بسبب اللجوء.

3-ان عملية التأقلم داخل المدارس اللبنانية للطلاب السوريين كانت صعبة للغاية، هذا بالنسبة للمناهج التعليمية السائدة كما ان نسبة كبيرة من الطلاب كانت دون المستوى الابتدائي مع وجود اعداد كبيرة لمن ترك الدراسة لاسباب منها الحاجة الى مزاولة العمل او غيرها من الأسباب.

4-ان معظم العاملين من هؤلاء اللاجئين يتقاضون بدلات غير ثابتة،كما ان نسبة كبيرة جدا منهم تتعاطى اعمال بسيطة وحرة.

5-ان أماكن سكن اللاجئين السوريين غير مناسبة وملائمة لسكن العائلات.

ومقابل هذه الظروف الصعبة المعاشة وغيرها ،كانت هناك ظروفا سائدة داخل المجتمع اللبناني والتي لا تقل صعوبة عن الاولى .وهكذا فقد كان على لبنان ان يتحمل نتائج هذا اللجوء، لاسباب انسانية بالدرجة الاولى، رغم ان اعداد اللاجئين سجلت نسب مرتفعة جدا مقابل قدرة لينان على استيعابها على كافة الاصعدة.

كل ذلك رتّب على لبنان مسؤوليات شاقة لان المطلوب وبالدرجة الاولى كان يفترض ان تقوم الدولة اللبنانية بتكييف هؤلاء اللاجئين بشكل يراعي وفي نفس الوقت اوضاع اللبنانيين الذين تأثروا دون ادنى شك بهذا اللجوء على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.

وقد كان من الصعب تقليص الهوة بين اللاجئين والمجتمع المحلي رغم وجود مساعدات كبيرة قدمت من الامم المتحدة تعاطفا مع هؤلاء اللاجئين في حقهم بتأمين متطلبات عيشهم الاساسية في ظل وجود ظروف قاسية مرافقة للجوئهم.

وفي خلاصة القول فاننا ولو انطلقنا من عملية التكيف الاجتماعي فانها تفترض توافق الافراد مع المجتمع الذي يتم تواجدهم داخله وكذلك يفترض شعورهم بالسعادة والراحة النفسية كما وقدرتهم على التجاوب مع الاخرين بشكل كبير.
ولو انطلقنا ايضا من الاندماج الذي يلي مرحلة التكيف السابقة الذكر، والذي هو عملية خلق نوع من التناغم بين المجموعات داخل المجتمع الواحد، لتساءلنا عن مدى تحقق المناخ المناسب للاندماج!

فعملية الاندماج هي من المسائل المعقدة وهي بلا شك تفرض على الدولة المستقبلة العمل وفق سياسة مبنية بدورها على خطة مدروسة بكل تفاصيلها الدقيقة ونعني الظروف الاقتصادية والاجتماعية المرافقة وتلك الموجودة اصلا في الدولة المستضيفة. فهل هذه الظروف فعلا مؤاتية للعمل وفقها وما هي انعكاسات الظروف بمجملها على اوضاع هذه الدولة، وهل هي قادرة على سبيل المثال توفير الظروف المناسبة من مأوى وعمل وغيرها ،لهذا اللاجىء، مع مراعاة اوضاع المواطنين في الدولة المستقبلة خاصة وان تفاقم الاوضاع الصعبة لدى اللاجئ سوف يترك اثره

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن