المسيحية الصهيونية الإنجيلية تحكم الخناق على البيت الأبيض

أحمد عوض الرحمون

بالرغم من أن الأدوار التي يلعبها الكيان الصهيوني مغتصب فلسطين في سياسة الشرق الأوسط وحتى في السياسة العالمية هي بالدرجة الأولى لصالحه، فإنها تتقاطع مع مصالح قوى عالمية أخرى، ومن ثم يقيم معها أقوى العلاقات ليظهر بأنه المدافع القوي عن مصالحها في هذه المنطقة.
وفكرة تحالف المصالح هذه ليست بالفكرة الجديدة. فقد طرحها نابليون بونابرت في خطاب موجه إلى يهود أوربا في أوج شهوته التوسعية : “مني بونابرت القائد الأعلى لجيوش الجمهورية الفرنسية في أفريقيا، وآسيا إلى الورثة، أصحاب الحق في فلسطين، الإسرائيليون، ذلك الشعب الفريد، اللذين حرموا لألوف السنين من أرض أجدادهم بسبب شهوة الاحتلال، والاستبداد، لكنهم لم يحرموا من اسمهم ووجودهم الوطني. وتقدم فرنسا لكم في هذا الوقت و خلافا لكل التوقعات ميراث إسرائيل أسرعوا يا أصحاب الحق في فلسطين” (المصدر: الصهيونية المسيحية: خارطة الطريق الى حرمجدون؟ /ستيفن سايزر / ترجمه: نقولا أبو مراد، مراجعة: جيروم شاهين/ بيروت/ الفريق العربي الإسلامي ـ المسيحي، ص 31).
وفي معمعة التنافس الاستعماري الاستراتيجي بين فرنسا وبريطانيا قرن اللورد البريطاني شافتسبوري ( 1801- 1885) مصالح بريطانيا العظمى الاستراتيجية بوجوب “عودة !” اليهود إلى فلسطين تحقيقاً لنبوءة الكتاب المقدس Bible. كما كان وعد اللورد البريطاني بلفور حجر الأساس في إنشاء الكيان الصهيوني مغتصب فلسطين.
وفي بداية القرن العشرين يشرع بالتزايد الدعم الأمريكي للصهيونية الذي لم يكن بعد قد بلغ مبلغاً كبيراً. ففي العام 1912 يزداد هذا الدعم إثر مشاركة القانوني الأمريكي اليهودي لويس برانديس Louis Brandeis (1856ـ 1941) الفعالة في ” فيدرالية الصهاينة الأمريكيينFederation of American Zionists” ، وإثر تشكيل” اللجنة التنفيذية المؤقتة للشؤون الصهيونية العامة Provisional Executive Committee for General Zionist Affairs” في العام 1914. وفي العام 1919 رضخ الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون Woodrow Wilson (1856-1924) لوعد البريطاني بلفور المشؤم الصادر في 1917. وفي 12/ أيلول 1922أعلن الكونغرس الأمريكي دعمه لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. ومنذ إعلان اغتصاب فلسطين من قبل الصهاينة وتكوين كيان صهيوني مغتصب حظي بدعم دولي راح الدعم الأمريكي لهذا الكيان يزداد ، كما راح تدخلها في الشؤون السياسية العربية والبترول العربي يأخذان اتجاهاً تصاعدياً أكثر حدة.
وتتضح هذه النقطة من تصريح السيناتور اليهودي الديمقراطي ستيف روثمان Steve Rothman في شهر حزيران 2008: ” تزود إسرائيل أمريكا بمساعدة أمنية حيوية في الشرق الأوسط وبقية أرجاء العالم”. وقد عدد روثمان هذا بعضاً من أمثلة المساعدة الإسرائيلية هذه:” الاستخبارات، تحسين التكنولوجيا العسكرية الأمريكية، أسر معدات سوفيتية وإيرانية، تدمير مفاعل العراق النووي، تدمير ما يعتقد أنها منشأة نووية سورية بالقرب من دير الزور، وسوى ذلك من أمثلة جلية وغير واضحة للعيان”….” ومن دون شراكتنا مع ” جيش الدفاع الإسرائيلي” ربما احتاجت الولايات المتحدة الأمريكية إلى ما يزيد عن 100,000 مقاتل يعسكرون بشكل دائم في هذا الجزء من العالم لحماية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية هنالك، وللحصول على ذات المعلومات الاستخبارية التي تزودنا بها إسرائيل عن المنطقة”. ويضيف روثمان” لا بل أن دور إسرائيل أكثر حيوية مما سبق، بسبب جهود إيران لامتلاك تقنية الأسلحة النووية، إنها حاملة الطائرات الأمريكية التي لا تغرق”(المصدر: “U.S.’s valuable, strategic relationship with Israel,” The Hill, June 3, 2008 .)
وبالرغم من أهمية المصالح المتبادلة فإنها لا تفسر دعم الولايات المتحدة الأمريكية المطلق لإسرائيل ، خاصة وأن عاملين آخرين يفترضان منطقياً أن يكون للعرب أدواراً أكثر أهمية من دور إسرائيل في سياسة أمريكا الخارجية: البترول العربي, وقرب العرب من الإتحاد السوفياتي السابق وروسيا الحالية التي تحاول النهوض ثانية, وقربهم كذلك من الصين التي تنافس بصمت على مكان الصدارة في الساحة الدولية, وكذلك الهند التي تسير بخطى حثيثة لأخذ مكانها المميز في هذه الساحة. وبالحقيقة فإن نصوصاً لاهوتية من الكتاب المقدس العبري( العهد القديم) والكتاب المقدس المسيحي( العهد الجديد), لا مجرد المصلحة, هي التي تملي طبيعة العلاقة بين أمريكا وإسرائيل, بعد أن تُكيف لتصبح صالحة لخدمة أهداف سياسية. وعلى هذا النحو يستخدم اللاهوت اليهودي والمسيحي لخدمة المطامع الدنيوية السياسية الإسرائيلية.
ورأس الحربة في التبرير اللاهوتي لاغتصاب الصهاينة لأرض فلسطين وتشريد سكانها الأصليين وقلقلة الأوضاع في مجمل المنطقة هي الكنيسة البروتستنتية/ الإنجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية. فأفكار أتباع هذه الكنيسة المتعصبين الأصوليين متقدي النشاط والهمة، والمعروفين بتيار الصهيونية المسيحية Christian Zionism ، تلعب الدور الأساسي في صياغة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، كما تلعب دوراً كبيراً في السياسة الخارجية لدول الاتحاد الأوربي.
ولم تنجُ الكنيسة الكاثوليكية من تأثير الأفكار البروتستنتية/الإنجيلية الحديثة المؤيدة لإسرائيل. فمواقف هذه الكنيسة ، عبر تاريخها الحافل بمعادة اليهود، والتي كانت تحملهم مسؤولية قتل السيد المسيح، قد شهدت تغيرات كثيرة في القرون الأخيرة أدت أخيراً إلى تبرئة هذه الكنيسة اليهودَ من هذا الدم وما ترتب على ذلك من تغيير مواقف هذه الكنيسة تجاه الكيان الصهيوني مغتصب فلسطين ومؤيديهم أفراداً وجماعات، مثل الصهيونية المسيحية.
وفي أيامنا هذه, لعبت المسيحية الصهيونية دوراً كبيراً في أخذ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية, بتأثير قوي من المسيحي الصهيوني نائبه مايك بينس Mike Pence, قراره باعتراف بلده بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني مغتصب فلسطين.
فما هي المسيحية الصهيونية؟
إنها إيديولوجيا لاهوتية سياسية بروتستانتية( إنجيلية) تشكلت عقب الاغتصاب الصهيوني لفلسطين في العام 1948 نتيجة سلسلة طويلة من الإرهاصات اللاهوتية في مجال فهم البروتستانتية لنصوص الكتاب المقدس اليهودي والكتاب المقدس المسيحي. ومن المعروف أن البروتستانتية هي فرقة مسيحية انشقت في القرن السادس عشر عن الكاثوليكية على يد الكاهن الكاثوليكي الألماني مارتن لوثر.
وتهدف هذه الايدولوجيا إلى تبرير اغتصاب فلسطين من قبل الصهيونية العالمية بوصف هذا الاغتصاب وفاء من الله بوعده لإبراهيم بأن تكون أرض كنعان(فلسطين) وطناً لذريته, هذا من منظور توراة موسى. وأما من منظور العهد الجديد/ الكتاب المقدس المسيحي فإن عودة اليهود إلى فلسطين, من منظور الكنيسة الإنجيلية وعلى الأخص من منظور فرقة المسيحية الصهيونية, هي شرط لابد من حصوله لكي ينزل المسيح ثانية إلى الأرض المقدسة( فلسطين) ليحكم هنالك 1000 سنة ( تعرف بالألفية) حبلى بالأحداث المأسوية التي تسبق حلول يوم القيامة.
وترى المسيحية الصهيونية في إنشاء الكيان الصهيوني المغتصب في فلسطين في العام 1948, وفي هزيمته للكيانات السياسية العربية القُطرية في العام 1967 وفي تحطيم العراق ثأراً للسبي البابلي لليهود إلى العراق وفي تمزيق الكيانات العربية القطرية الراهنة سلسلة من الدلائل على وفاء الله بوعوده لشعبه المختار التي توجت باعتراف الرئيس الأمريكي ترامب في 6 كانون الأول 3017 بالقدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني المصطنع في فلسطين استناداً إلى حجج توراتية مزعومة.
ويلقي المؤرخ الإنجيلي الأمريكي ” دان هَمِل Dan Hummel ” من معهد آش Ash Center for Democratic Governance and Innovation التابع لجامعة هارفارد مزيداً من الضوء على المسيحية الصهيونية مبيناً أن نقلة نوعية قد حصلت لها من حيث التموضع الجغرافي ومن حيث المكون البشري والأسس والمبررات اللاهوتية التي تعتمدها في دعوتها. فبعد أن كانت تتمركز بشكل رئيسي في الولايات المتحدة الأمريكية, وبعد أن كانت مكونة بشكل رئيسي من البيض من فرقة المتطهرين Puritans البروتستانت الذين سبق لهم أن فروا من بريطانيا بعد تمردهم على كنيسة إنكلترا وصدور قانون بحظرهم هنالك, وبعد أن كانت دعوتها لهجرة اليهود من أنحاء العالم إلى فلسطين ترتكز بشكل رئيسي على مفهوم القدرية أو التدبيرية dispensationalism اللاهوتي الذي يقول بوجوب حصول هذه الهجرة كشرط لابد منه للقدوم الثاني للمسيح إلى الأرض كلازمة لابد منها لحصول يوم القيامة، حيث يتمثل مفهوم القدرية في أن قيام الساعة(القيامة) تتم وفقاً لتدابير أو أقدار ربانية تسبق حكم المسيح للأرض الذي سيدوم ألف سنة [( المصدر: Floyd Elmore, “Darby, John Nelson,” Dictionary of Premillennial Theology, Mal Couch, ed., (Grand Rapids: Kregel, 1996) 83-84.] , أخذت المسيحية الصهيونية بالتوسع في الآونة الأخيرة جغرافياً ليصبح تواجدها العددي في الولايات المتحدة الأمريكية لا يذكر مقارنة بانتشارها وتواجدها العددي في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية في كل من البرازيل وجنوب أفريقيا ونيجيريا وكوريا الشمالية والصين. كما أن مكونها البشري قد صار أكثر تنوعاً ولم يعد يقتصر على البيض. وأما من حيث مرتكزاتها اللاهوتية الجديدة فهي مرتكزات ما عادت تعير كل الأهمية للاهوت قدوم المسيح و حصول يوم القيامة بل ركزت على ما صار يعرف بلاهوت الازدهار الاقتصادي prosperity theology الذي اعتبر علامة فارقة لكنائس المسيحية الصهيونية في القسم الجنوبي من الكرة الأرضية. وفي صدد لاهوت الازدهار الاقتصادي للمسيحية الصهيونية الجديدة فإن الإنجيلية ” باولا وايت Paula White ” مستشارة الرئيس ترامب للشؤون الروحية وفي كلمة لأتباعها تقول: ” إن الله سيفتح أبواب الرخاء المالي والفرص والحظوة والمعجزات فوق الطبيعية”.
ولاهوت الازدهار الاقتصادي هذا مستمد من توراة موسى المزعومة ويتمثل في مفاهيم البركة والمباركة واللعنة واللعن. وهو مستمد من آيات في سفر التكوين تزعم أن الله وعد إبراهيم الوعد التالي:
1وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. 2فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. 3وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ».(سفر التكوين:12).
وقد فسر المسيحيون الصهيونيون هذه الآيات بأنها تعني وبكل بساطة أن الأمة العظيمة هي ” دولة إسرائيل” وأن بقية الأمم, أو الدول ستتبارك, أي ستزدهر, من خلال دعمها لإسرائيل, وستبلى بالفقر والبؤس ولعنة الله إن لم تدعم إسرائيل. إن لاهوت الازدهار الاقتصادي هو وبكل بساطة وسيلة خبيثة بيد المسيحية الصهيونية للانتشار في بيئات الفقر والتخلف لدى بعض المجتمعات ولدفعها باتجاه دعم إسرائيل على أمل أن يصب عليها ربُ إسرائيل بركاته في شكل ازدهار اقتصادي. ويبدو لي أن الوعود التي تطلقها الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية والصهيونية المسيحية لدول منطقتنا بأن الرخاء سيحل في هذه المنطقة لو سلمت (باركت) بوجود إسرائيل آمنة مطمئنة يدخل في سياق لاهوت الازدهار الاقتصادي المسيحي الصهيوني هذا. وفي هذا الصدد يؤكد أقدم وجوه المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية “جيري فولويل Jerry Falwell ” أن الازدهار الاقتصادي الذي تنعم فيه الولايات المتحدة الأمريكية سببه دعمها لإسرائيل” . وأما اللعنة التي تحل بالدول التي تعادي إسرائيل فيورد عنها المؤرخ الأمريكي المذكور مثالاً مسيحياً صهيونياً. فـ”كِنِث ميشو Kenneth Meshoe رئيس الحزب الأفريقي المسيحي الديمقراطي في جنوب أفريقيا, الذي تعتبر تقوية علاقات جنوب أفريقيا مع إسرائيل محور أجندته للنمو الاقتصادي يرى أن دولة زامبيا الأفريقية التي ازدهر اقتصادها بعد استقلالها في العام 1964 قد غرقت خلال عقود في الاضطرابات والتدهور الاقتصادي بعد أن قطعت علاقاتها مع إسرائيل في العام 1973 لعنة لها من رب إسرائيل لقطعها هذه العلاقة.
وضمن هذا التصور الديني اللاهوتي والسياسي لفرقة المسيحية الصهيونية علينا أن نضع ونفهم قرار ترامب ذي الأصول الألمانية بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي المغتصب لفلسطين, كما لنا وفي نفس السياق لنا أن نتوقع أموراً أخرى مخطط لحصولها في منطقتنا من قبل هذه الحركة, ربما بعلم بعض منا وتعاونه.
وبالرغم من أنه ما من دلائل تشير إلى أن ترامب عضو في المسيحية الصهيونية فأنه ليس بغريب عن أجوائها, وبصفته كتاجر فإنه قد عرف كيف يعقد معها صفقة أوصلته للرئاسة, كما يعرف كيف يكسب أصواتها لفوزه بدورة رئاسة ثانية وأخيرة. إنه معني بمصلحته بالدرجة الأولى , وبالدرجة الثانية معني بمصلحة الغير سواء كان هذا الغير الولايات المتحدة الأمريكية أو المسيحية الصهيونية أو مبادئ العدالة والنزاهة في التعاملات الدولية . ولكن هذا لا يعني أن ترامب غريباً عما تفكر به المسيحية الصهيونية التي هدفها دعم إسرائيل وبقاؤها ذات اليد العليا في منطقتنا العربية, بل أن أباه قبله, كما هو, قد ربطته علاقات حميمة مع الدوائر الصهيونية واليهودية. وفي هذا الصدد كتب ” ميخائيل ويلنر Michael Wilner مقالة في جريدة ” جيروساليم بوست” في شهر أيلول من هذا العام تبين التاريخ الطويل لعلاقة ترامب باليهود. فأبوه تاجر العقارات كان يحيط نفسه ببطانة من اليهود مما وفر لترامب الاحتكاك بهم والإعجاب بما رآه فيهم من صفات محببة لنفسه مثل الغنى والأناقة والنجاح والقدرة الفائقة على عقد الصفقات. ووفقاً لـ ” جي غولدبيرغ Jay Goldberg, الذي عمل مرافعاً عن ترامب في الدوائر القضائية لمدة 15 سنة من 1990 وحتى 2005 فإن “محاميه في مجال العقارات يهودي, ومستشاره لشؤون عائلته يهودي, و المشرف على مصروفاته يهودي, و رئيس موظفيه يهودي”.
وحلقة الوصل بين ترامب والمسيحية الصهيونية هو نائبه المسيحي الصهيوني الإيرلندي الأصل ” مايك بينس Mike Pence ” الذي هو بدون أدنى شك وراء قراره بالاعتراف الأمريكي لإسرائيل بالقدس عاصمة لها. وتلقي جريدة واشنطن بوست في عددها الصادر في 17 تموز 2017 مزيداً من الضوءعلى ” بينس” هذا بمناسبة القائه, في سابقة لم يسبقه إليها أي نائب رئيس أو رئيس أمريكي, خطاباً أمام الاجتماع السنوي المنعقد في مدينة واشنطن دي سي للجمعية المسيحية الصهيونية المعروف باسم ” مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل Christians United for Israel (CUFI) التي أسسها في العام 2006 الأمريكي المسيحي الصهيوني بالغ النفوذ والتأثير ” جون حجي John Hagee “. وبأعضائها البالغ عددهم ثلاثة ملايين, ومقدرتها الكبير على جمع عشرات ملايين الدولارات ودفعها لإسرائيل لتغيير الواقع السكاني في الأرض المحتلة عبر بناء المستوطنات بأعداد كبيرة فإنها تعتبر من أقوى تنظيمات المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب “السفارة المسيحية الدُوَلية the International Christian Embassy.” التي مقرها في القدس الغربية. وتقول الصحيفة أن خطابه هذا قد شكل تحولاً في لغة البيت الأبيض بخصوص العلاقة مع إسرائيل حيث لم يسبق لأي من الإدارات الأمريكية السابقة أن سمحت للاهوت المسيحية الصهيونية الإنجيلي أن يكون على هذا القدر من القرب من صناع السياسة الأمريكية سواء من حيث التقرير أو من حيث التنفيذ. وتضيف الصحيفة أن “مايك بينس” وهو المسيحي الصهيوني المتقد حماساً لإسرائيل يخاطر بمصير ”الصفقة العظمى “ultimate deal المنخرطة إدارة الرئيس ترامب في العمل عليها لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني, كما يعري صدقية إمكانية أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية وسيطاً محايداً في المسألة الفلسطينية. وعلى العكس من بقية صناع القرار الأمريكي السابقين في البيت الأبيض , الذين كانوا, في سياق التعبير عن دعمهم لإسرائيل, يشيرون إلى الجذور المسيحية للدعوة لهجرة اليهود إلى فلسطين دون استعارة عبارات المسيحية الصهيونية التوراتية, فإن ” بينس ” يتبنى وبكل صراحة ووضوح نبوءات التوراة ويستعمل مفرداتها أمام حشد كبير من الدبلوماسيين المحتشدين بمناسبة إنشاء دويلة الاغتصاب الإسرائيلي لفلسطين في العام 1948 حيث, ووفقاً للصحيفة, يقول:
” لقد تحققت النبوءة حرفياً…..إن الله ذاته قد وفى بعهده لشعبه
“God himself fulfilled his promise to his people” .
كما أن بينس وفي خطاب ألقاه في آذار 2017 أمام اجتماع لقادة منظمة ” أيباك AIPAC” الصهيونية يقول ” إن نشأتي المسيحية تجبرني على تدليل إسرائيل” لأن ” ترانيم أرض إسرائيل قد كانت الترنيمة التي تربيت عليها في شبابي”. إنه في هذا الصدد يُذَكِّر بسفر المزامير التوراتي التي تشكل ترانيمه جزءاً رئيسياً من الموسيقى الإنجيلية التعبدية, كما أن ولع ” بينس” بهذه الترانيم يعكس مدى تعلقه, كمسيحي صهيوني غيور, بمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى ومن ثم بمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالطبع يدرك ” بينس” أن هذا الاحتلال لأرض فلسطينية هو الخطوة الأولى في طريق تحقيق نبوءة الكتاب المقدس المزعومة, محجماً عن ذكر تصوراته للخطوة القادمة في سياق التنفيذ الكلي لهذه النبوءة, الخطوة التي أفصحت عن ذاتها في 6 كانون الأول 2017 عبر اعتراف ترامب بالقدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل, ذلك الاعتراف الذي رفضه مجلس الأمن الدولي في 18 كانون الأول 2017 بأغلبية 14 عضو مقابل عضو واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية في سياق التصويت على قرار يدعو إلى رفض الاعتراف بشرعية قرار ترامب. ومن الواضح أن نتيجة التصويت الأممي هذا قد كشفت تماماً أن إدارة ترامب, التي تسيرها المسيحية الصهيونية بخصوص القضية الفلسطينية منحازة كل الانحياز إلى الجانب الصهيوني مما يبعدها عن أن تكون وسيطاً نزيهاً في سياق البحث عن حلول لهذه القضية. كما كانت نتيجة هذا التصويت الذي حال الاعتراض(الفيتو) الأمريكي دون وضعه موضع التنفيذ صفعة مؤلمة لبينس ولترامب وللمسيحية الصهيونية. وأما بالنسبة للعرب الفلسطينيين فيمكن القول أنه ” رُبَّ ضارة نافعة “, إذا أحسنوا استثمار التعاطف الأممي معهم!!, وأما بالنسبة للنظام السياسي العربي الحالي القُطري فهل هو مدرك أن جهود المسيحية الصهيونية والصهيونية العالمية وحلفائهما لن تتوقف عند اعتراف ترامب بالقدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني المصطنع؟!.

 

هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع رصد اخبار العالم

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن