باستثناء إسرائيل.. العالم ضد ترامب بسبب القدس!

اعترف ترامب بالفعل بالقدس عاصمة لإسرائيل متجاهلا تحذيرات دولية عدة. وبعد إعلانه هذا اصطف العالم ضده، عدا نتانياهو الذي أعلن أن ترامب “دخل تاريخ القدس إلى الأبد”، كاشفا أن دولا أخرى ستسبق واشنطن في نقل سفاراتها.

أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب غضب الفلسطينيين وموجة تنديد تخطت الشرق الأوسط لتعم العالم، باعترافه الأربعاء بالقدس عاصمة لإسرائيل، في قرار يطوي صفحة عقود من السياسة الأميركية، ويخشى أن يثير موجة جديدة من أعمال العنف في الشرق الاوسط.

وبهذا القرار يكون ترامب قد نفذ أحد أبرز وعوده الانتخابية، حتى وإن كلّف ذلك عزله على الساحة الدولية حيث ساد الإجماع، بأن خطوته هذه تهدد بتقويض الآمال المتواضعة  في استئناف محادثات السلام، وبتأجيج الأوضاع في المنطقة. وتوالت مواقف التنديد في العالم، عدا إسرائيل التي انفردت بالترحيب.

نتانياهو: ترامب دخل تاريخ القدس إلى الأبد

بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، فإن الرئيس الأمريكي دخل تاريخ القدس “إلى الأبد”، وذلك في تصريحات أدلى بها أمام مقر وزارة الخارجية الإسرائيلية صباح الخميس (السابع من ديسمبر/ كانون الأول)، كاشفا أن دولا “كثيرة” ستحذو حذو الولايات المتحدة في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأن هناك اتصالات تجري بالفعل في هذا الشأن.

ولم يذكر نتنياهو هذه الدول بالاسم، لكنه أضاف أن بعضها قد تنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس حتى قبل الخطوة الأمريكية التي تتوقع إدارة الرئيس دونالد ترامب أن تستغرق عدة سنوات لتنفيذها.

وفي سياق ذي صلة، كشفت هيئة البث الإسرائيلي أن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل الحد من ردود الفعل المرحبة بقرار الرئيس الأمريكي بسبب المخاوف من “استهداف مصالح أمريكية في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى”. وأضافت أن “ذلك  جاء في وثيقة أصدرتها وزارة الخارجية في واشنطن الليلة الماضية وفيها تعليمات إلى سفارتها في تل أبيب وقنصليتها في القدس وبعض الممثليات الدبلوماسية في عدة عواصم أوروبية”.

وجاء في الوثيقة أيضا أنه “تمّ الإيعاز إلى الممثلين الأمريكيين في القارة الأوروبية بأن يشرحوا أن قرار ترامب لا يغير حقيقة أن مسألة السيادة في القدس لن تحل إلا عبر التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين حول الوضع الدائم”.

إضراب عام في الأراضي الفلسطينية

في المقابل، وبعدما خرجت مسيرات محدودة مساء الأربعاء في بيت لحم وجنين ورام الله ونابلس، تم فيها إحراق أعلام أميركية وإسرائيلية وصور لترامب، ساد الإضراب الشامل كل من الضفة الغربية وقطاع غزة صباح اليوم الخميس، تنديدا بما حمله خطاب ترامب.

وأغلقت المحال التجارية أبوابها وتعطلت غالبية المؤسسات الحكومية والخاصة عن العمل تنفيذا لدعوة الإضراب الشامل التي أطلقتها القوى الوطنية والإسلامية.

كما عطلت وزارة التربية والتعليم الدراسة اليوم وحثت المعلمين والطلاب على المشاركة في التظاهرات في كافة أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة.

الكنائس في بيت لحم بما فيها كنيسة المهد التاريخية للروم الأرثوذكس، أعلنت من جهتها الحداد وقرع أجراسها عند الساعة الـ11 صباحا احتجاجا على خطوة ترامب.

مظاهرات غاضبة في غزة عقب الإعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل.

استنكار عربي ودولي

من جهتها، استنكرت السعودية، الحليفة التقليدية للولايات المتحدة، قرار ترامب قائلة إنه “خطوة غير مبررة وغير مسؤولة”، في بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي. وكان الملك سلمان قد حذر في اتصال هاتفي مع ترامب من “خطوة خطيرة تستفز مشاعر المسلمين كافة حول العالم”.

وشملت موجة التنديد مصر والأردن وتركيا واندونيسيا وكذلك الغرب حيث أعربت جميع الدول الأوروبية عن أسفها لقرار ترامب وعن “قلقها” مما قد تسفر عنه من توترات على الأرض.

وأعلنت منظمة التعاون الإسلامي عن أسفها الشديد لاعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتوجيهات الرئيس ترامب لنقل سفارة بلاده إليها، وما يمثله ذلك من استفزاز لمشاعر المسلمين. وأعربت المنظمة ، التي تتخذ من جدة الواقعة غرب السعودية مقرا لها ، في بيان لها اليوم الخميس، عن رفضها القرار، وعدته مساساً بالمكانة السياسية والقانونية والتاريخية لمدينة القدس. وأكدت المنظمة تحركها العاجل بعقد قمة استثنائية لقادة الدول الأعضاء بالمنظمة في إسطنبول في 12 و13 كانون أول/ ديسمبر الجاري، وذلك لبحث تداعيات القرار الأمريكي، وصياغة موقف إسلامي موحد إزاء هذا التصعيد الخطير. وجددت المنظمة تأكيد موقفها الثابت تجاه القدس بوصفها جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967.

ومن جانبه أعلن مجلس الأمن الدولي عن عقد جلسة طارئة صباح غد الجمعة بناء على طلب عدد من الدول الأعضاء بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وإعلانه عن نقل سفارة بلاده في تل أبيب إليها.

وأكد متحدث باسم مندوب اليابان لدى الأمم المتحدة كورو بيشو، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، في رسالة عبر البريد الإلكتروني لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أن الجلسة ستكون صباح غد.

وكانت ثماني دول، هي السويد وبريطانيا وفرنسا وبوليفيا ومصر وإيطاليا والسنغال وأوروغواي، قد تقدمت بطلب إلى رئاسة مجلس لعقد هذه الجلسة.

وجهة نظر: ترامب يشعل بشكل متعمد نزاع الشرق الأوسط

بقراره الاعتراف بالقدس من جانب واحد عاصمة إسرائيلية يخاطر الرئيس الأمريكي ترامب بتصعيد خطير للأوضاع. من سيتحمل تبعات هذا القرار قد يكون الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء، كما يرى راينر زوليش.

العالم بأسره تقريبا حذر الرئيس الأمريكي من هذه الخطوة: الفلسطينيون والدول العربية والإسلامية في كل الأحوال ـ ولكن أيضا ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وروسيا والبابا. أيضا العديد من الأصوات الإسرائيلية واليهودية مثل صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية التقليدية والمجلس المركزي لليهود في ألمانيا أعربوا كذلك عن انتقادهم لهذه الخطوة.  لم يتمكن هؤلاء جميعا من وقف دونالد ترامب.

ترامب صم أذنيه. فبغض النظر عن جميع التحذيرات والتخوفات من انفجار جديد للعنف في الشرق الأوسط، أوفى بتعهده الانتخابي، واعترف من جانب واحد بالقدس عاصمة لإسرائيل ـ بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى المدينة المقدسة بالنسبة إلى اليهود والمسيحيين والمسلمين على حد سواء.

إهانة للفلسطينيين

وهذا ليس في نهاية الأمر خطوة ثقيلة الوزن من الناحية الرمزية، لأن الكثير من العرب والمسلمين ـ حتى خارج الأراضي الفلسطينية ـ قد يشعرون بهذا الأمر كإهانة قوية وهزيمة سياسية بحقهم. فكل شيء له علاقة بالقدس يؤجج منذ مدة درجة غليان المشاعر السياسية والدينية. فالولايات المتحدة لم تضع نفسها فقط بشكل واضح وبدون أية حاجة على المستوى السياسي مع قطيعة مع إجماع الدبلوماسية الدولية في الشرق الأوسط  الذي استمر عقودا من الزمن، ووجب بموجبه تحديد وضع القدس في إطار تسوية  سلمية نهائية ـ والفلسطينيون يطالبون على كل حال بالشطر الشرقي للقدس كعاصمة لدولة مستقلة مستقبلية. الولايات المتحدة الأمريكية اعترفت من خلال قرار ترامب عمليا أيضا بأنها البلد الوحيد في العالم الذي اعترف بضم القدس الشرقية لاحقا الذي يُعتبر بوضوح إلى حد الآن خرقا للقانون الدولي.

ترامب يعمل بهذا على إيجاد أمر واقع ويعرض أمام أعين الفلسطينيين والعالم العربي الإسلامي ضعفهم وعجزهم الذاتي. مظاهرات غاضبة وتفجر للعنف وإرهاب واحتجاجات وقطع الاتصالات السياسية أو العلاقات الدبلوماسية: الكثير من ردود الفعل الشديدة تهدد بحصولها والرئيس الأمريكي يتحمل بقراره المجنون والخطير للغاية كامل المسؤولية، ولا يمكن تعليل القرار سياسيا بأي شيء. ترامب يشعل بذلك عن قصد وبشكل خطير نزاع الشرق الأوسط.

الأمر الواقع

وكيفما كان التراجع الحاصل من جانب ترامب، فإنه يبقى رغم جميع الاحتجاجات غير محتمل. ودولة فلسطينية مستقلة ـ إذا ما تحققت ـ ستكون مجبرة ليس فقط على البحث عن عاصمة جديدة، بل أيضا على تحمل تنازلات إضافية مؤلمة. فالمحور القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل هو حاليا وثيق وقوي جدا بشكل يجعل الفلسطينيين والعرب لا حول لهم ولا قوة أمامه، علما أن الكثير من زعماء الدول العرب هم في الحقيقة رغم كل التضامن الذي يعلنون عنه أمام الملأ مع “الأشقاء الفلسطينيين” يتبعون أولويات أخرى.

فالقوة الإقليمية العربية السعودية سبق وأن حذرت في الحقيقة الرئيس الأمريكي باكرا من تغيير أحادي الجانب لوضع القدس. لكن السعوديين يغيرون في الوقت الحاضر بنية سلطتهم الداخلية ويحاربون بشكل متزايد وعنيد التأثير المتنامي لخصمهم الجيواستراتيجي إيران. ومن أجل ذلك هم يحتاجون إلى شركاء أقوياء مثل ترامب ويتطلعون رغم نقص العلاقات الدبلوماسية وراء الكواليس إلى التعاون مع إسرائيل التي تعتبر هي الأخرى إيران خطرا أمنيا كبيرا. والمملكة السعودية هي في الحقيقة نوع من العراب بالنسبة إلى سلام مستقبلي في الشرق الأوسط مشارك في المحادثات. لكن أي تقدم في هذا النطاق سيبقى مستحيلا بسبب قرار ترامب على المدى المنظور، وفي واقع الأمر يبقى الحكام في العربية السعودية غير مكثرتين بمصير الفلسطينيين على غرار القيادة الإيرانية التي تخفي تطلعاتها في السلطة السياسية الذاتية بكل سرور خلف خطاب مساند للفلسطينيين وهتافات الكراهية ضد إسرائيل.

زعم ترامب لدى إعلان قراره أن الولايات المتحدة الأمريكية تعترف ببساطة بالواقع، وتبقى ملتزمة بهدف تحقيق سلام في الشرق الأوسط. ولا يمكن وصف هذا الأمر إلا أنه تهكمي، لأن من يتحمل عواقب التطور الذي يُخشى حصوله  الآن قد يكون الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء

و.ب/ ص.ش (أ ف ب، د ب أ، رويترز)

 

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن