الكاتب أحمد طلب
أسعار الأدوية باتت أكبر عائق أمام الغالبية من البشر في الحصول على العلاج اللازم، وذلك في عالم احتاج فيه نحو 83 مليون شخص في أكثر من 45 بلدًا إلى مساعدات غذائية طارئة خلال 2017، بزيادة وصلت 60% عن العدد المسجل في 2015، ومن المتوقع أيضًا – بحسب البنك الدولي – أن يحتاج 76 مليون شخص إلى مساعدات غذائية طارئة في 2018، فهل سيستطيع هؤلاء الحصول على أدوية من المتوقع ارتفاع أسعارها بنسب تصل إلى 6000% خلال 10 سنوات؟
فبالرغم من أن الأدوية سلعة غاية في الحساسية بشكل خاص؛ لأنها مرتبطة بالحياة أو الموت، إلا أننا نجد أن أسعار الأدوية قد ارتفعت على مدى العقد الماضي بأكثر من ست مرات، مقارنة بالسلع والخدمات الأخرى، وذلك بحسب إحصاءات أمريكية؛ إذ تستخدم الشركات الكبرى المحتكرة لصناعة الدواء براءات الاختراع وسيلة لتحديد أسعار باهظة للدواء؛ فيجد الفقراء أنفسهم مهددين بالموت، بسبب عجزهم عن تحمل أسعار هذه الأدوية.
كيف تستغل الشركات حاجة الناس للدواء؟
في أحدث حلقات الاستغلال التي تنتهجها أغلب شركات الأدوية في العالم، رفعت شركة «نكست سورس بيوتكنولوجي» ثمن بعقار «لوموستين» – دواء لسرطان الدماغ – بنسبة 1400%؛ ليصبح ثمن القرص الواحد منه أكثر من 700 دولار، بعدما كان يباع بـ50 دولارًا، وذلك بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» التي ذكرت مؤخرًا أن سعر القرص أصبح 768 دولارًا، والمثير للدهشة أن هذا العقار ليس عقارا جديدًا، بل يتجاوز عمره 40 عامًا، وهو الأمر الذي يكشف عن مدى جشع الشركة، برفعها سعر دواء شائع الاستخدام عند مرضى هذا النوع من السرطان.
وفي محاولة من جوزيف ديماريا، محامي الشركة لنفي تلك الممارسات الاستغلالية وغير التنافسية، أثبت دون قصد جشع الشركة؛ إذ قال: إن المادة الفاعلة في العقار «سر صناعي»، ارتفعت تكلفة صنعها بنسبة 30%، في حين أن الزيادة أضعاف هذه النسبة.
وقد يرى البعض أن زيادة في سعر عقار «لوموستين» ربما تكون معقولة، إذا ما قورنت بسعر العلاج الجيني الجديد للعمى «لوكستورنا»، الذي كشفت عنه شركة «سبارك ثيرابيوتيكس» الأمريكية مؤخرًا؛ فبحسب صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، فإن تكلفة العلاج تبلغ نحو 850 ألف دولار؛ ليكون بذلك أغلى الأدوية على الإطلاق، ويقول الرئيس التنفيذي للشركة، جيف ماراتزو: «إن الشركة ستحصل على 425 ألف دولار مقابل كل عين تٰعالج باستخدام العلاج الجديد».
وبعيدًا عما تقوله الشركة من إنها ستشارك في تحمل مخاطر فشل العلاج من خلال منح جزء من سعر الدواء لشركات التأمين الصحي، إلا أن السعر – بشكل عام – يعد استغلالًا صارخًا لحاجة الناس للعلاج، خاصة وأن نسبة من يمكنهم الحصول عليه محدودة للغاية، وذلك في ظل عدم إمكانية بيع العقار بالتقسيط.
مثال آخر يوضح مدى جشع هذه الشركات واستغلالها السيئ لبراءات الاختراع المفتوحة: هذه المرة من شركة «مايلان» التي تستخدم أشهر منتجاتها «إيبيبن»، لجني أرباح قياسية؛ إذ كان سعر علبة الحقن 94 دولارًا، ثم قررت الشركة رفع السعر نحو 17 ضعفًا؛ ليصبح 609 دولار لكل حقنتين فقط، وذلك حسبما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال».
اقرأ أيضًا:
وتكشف الصحيفة عن أن طرق التسويق التي تستخدمها الشركة ومجموعات الضغط ودفاعها عن حصتها من السوق، جعلت استخدام حقن «إيبيبن» شيئًا أساسيًا في كثير من المدارس والمطارات والملاعب الرياضية، فيما استخدمت الشركة نفوذها للتأثير في القوانين التشريعية لعدة ولايات أمريكية؛ إذ كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» عن أن القوانين في معظم الولايات بأمريكا تجبر المدارس على أن توفّر «إيبيبن» لطلابها، بالإضافة إلى كثير من الفنادق والمطاعم وشركات الطيران وغيرها من الأماكن.
كيف يتسبب جشع شركات الأدوية في موت عشرات الآلاف سنويًا؟
يمكن اعتبار انتشار الأدوية المزيفة نتيجة مباشرة لجشع شركات الأدوية الكبيرة؛ فلو كانت الأسعار عادلة أو في متناول الشريحة الأكبر من المجتمع لما ازدهرت تلك الصناعة، فبحسب «منظمة الصحة العالمية» فإن واحدًا من كل عشرة عقاقير تباع في الدول النامية – بشكل خاص في قارة أفريقيا – يكون مزيفًا، أو أقل من مواصفات الجودة المطلوبة؛ مما يؤدي إلى وفاة عشرات الآلاف، بينهم الكثير من الأطفال الأفارقة الذين يعالجون على نحو غير فعال من الالتهاب الرئوي والملاريا.
ويرتبط انتشار هذا النوع من الأدوية المزيفة، أو منخفضة الجودة، بشكل مباشر بالسعر أكثر من أي شيء آخر؛ إذ يقول بعض الصيادلة في أفريقيا لوكالة «رويترز» إنهم مضطرون للشراء من أرخص الموردين، وليس بالضرورة أكثرهم التزامًا بالمعايير، وهو الأمر الذي يشكل تهديدًا كبيرًا على حياة المرضى، إذ إن الأدوية المزيفة تحتوى على جرعات غير صحيحة ومكونات خاطئة أو غير فعالة، وغالبًا ما ينتج عنها مضاعفات تؤدي إلى الوفاة.
وتشير دراسة قام بها فريق من جامعة أدنبره إلى أن نحو 72 ألف حالة وفاة بسبب الالتهاب الرئوي في الأطفال حدثت بسبب استخدام مضادات حيوية قليلة الفاعلية، ويمكن أن يرتفع العدد إلى 169 ألفًا، إذا كانت العقاقير بدون أية فاعلية، وسبق أن قالت منظمة الصحة: «إن 122 ألف و 350 طفلًا أفريقيًا لقوا مصرعهم في عام 2013، بسبب دواء مزيف مضاد للملاريا، وآخر غير ذي فاعلية».
اقرأ أيضًا:
وباعتبارها القارة الأكثر فقرًا، فهي المتضرر الأكبر من الأدوية المزيفة؛ إذ تحتل قارة أفريقيا قائمة أكثر المناطق التي تحوي أعلى معدلات فقر في العالم، بنسبة تصل إلى أكثر من 35.2% من إجمالي سكان القارة، وذلك بحسب إحصاءات صادرة عن منظمة «غالوب» العالمية في نهاية 2015، كما كشفت أن 16% من سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعيشون على 1.25 دولار أو أقل في اليوم، فيما لا يتجاوز عدد السكان الذين يعيشون على 1.25 دولار في اليوم نسبة 1% في الدول المتقدمة اقتصاديًا.
ومن المعروف أنه كلما زادت نسب الفقر، تضاءلت فرص المرضى في الحصول على الأدوية المطابقة للمعايير؛ بسبب كلفتها الباهظة وأسعارها الخرافية، التي تفرضها شركات الأدوية الكبرى التي تحتكر سوق الدواء في العالم، فيما تتراوح نسبة الأدوية المزيفة التي تباع في أفريقيا ما بين 30 و70%. وبلغت قيمة معاملات تجارة الدواء المزيف نحو 200 مليار دولار، وهي أرباح تتجاوز مداخيل تجارة المخدرات ما بين 20 إلى 45 مرة، ونتيجة لذلك يموت ما يربو عن 100 ألف شخص سنويًا عبر العالم بسبب الدواء المزيف.
إيرادات أكبر شركات الأدوية في العالم
لن نكون مبالغين إذا قلنا إن قطاع الرعاية الصحية والأدوية تنافس بقوة تجارة السلاح والإتجار بالبشر والمخدرات؛ وذلك بسبب الأرباح الضخمة التي تحققها شركات هذا القطاع الذي يعد من أكثر القطاعات الاستثمارية أمانًا ومقاومة للركود والتقلبات الاقتصادية، فعلى سبيل المثال: ترفع شركة «جونسون آند جونسون» الأمريكية نسب توزيعات الأرباح السنوية طوال 50 عامًا، بفضل رفع الأسعار بصورة مستمرة.
بينما تبرر هذه الشركات زيادة الأسعار بأنها في حاجة إلى جني أرباح من منتجاتها كي تنفق على الأبحاث والتطوير. ووفقًا لقائمة أعدها موقع «إنسايدر مانكي» للشركات الأكثر إنتاجًا للأدوية في العالم، جاء ترتيب أكبر خمس شركات كالتالي:
1- ماكيسن: شركة أمريكية بلغت إيراداتها نحو 189.1 مليار دولار، وسجلت صافي أرباح نحو ملياري دولار، وهي واحدة من كبار موزعي الأدوية في أمريكا الشمالية.
2- أميريسورس بيرجن كورب: شركة أمريكية أيضًا، بلغت إيراداتها نحو 139.1 مليار دولار في عام 2015، وتستأثر بنحو خمس إجمالي الأدوية الموزعة في الولايات المتحدة الأمريكية.
3- كاردينال هيلث: وهي الأخرى شركة أمريكية بلغت إيراداتها نحو 112.4 مليار دولار، واحتلت الشركة ترتيبًا في قائمة مجلة «فورشن» بأكبر 26 شركة في العالم، ولها أنشطة في 60 دولة.
4- روش هولدنج: وهي شركة سويسرية، بلغت إيراداتها نحو 50 مليار دولار، وهي أكبر شركة في العالم في قطاع التقنيات الحيوية، وقد تخصصت في علاجات الأورام والجهاز المناعي والأمراض المعدية والعيون والجهاز العصبي.
5- نوفارتس إيه.جي: وهي شركة سويسرية يقع مقرها بمدينة بازل، وبلغت إيراداتها نحو 50 مليار دولار في عام 2015، وهي أكبر شركة أدوية في العالم من حيث الأرباح.
اقرأ أيضًا:
وبعيدًا عن الشركات، فقد بلغ إجمالي قيمة صادرات الأدوية عالميًا، نحو 318 مليار دولار في 2016، وذلك بسيطرة أوروبية خالصة؛ إذ بلغت الحصة السوقية للقارة العجوز نحو 79.2% في صناعة الأدوية حول العالم، بينما بلغ إجمالي ما تصدره أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية وأفريقيا نحو 1.8% فقط، وتشارك أفريقيا بنسبة تصدير تبلغ 0.2% فقط، بالرغم من أن بها 15% من سكان العالم، وبلغت حصة أمريكا الشمالية 9.7%، بينما تساهم قارة آسيا بنسبة 9.3%.
وتصدرت ألمانيا قائمة الدول الأكثر تصديرًا للأدوية بحوالي 48.6 مليار دولار، تليها سويسرا بصادرات قيمتها 39.9 مليار دولار، وبلجيكا في المركز الثالث بـ26.5 مليار دولار، وفرنسا رابعًا بـ22.8 مليار دولار، وأمريكا خامسًا بصادرات 22.5 مليار دولار.
وتشهد صناعة الأدوية في أوروبا نموًا ملحوظًا، كما يظهر في القائمة التالية:
قائمة الدول الأكثر تصديرًا للأدوية عالميًا
أين المنطقة العربية من صناعة الأدوية؟
لا تزال مساهمة المنطقة العربية في هذا السوق العملاق محدودة للغاية؛ إذ تعتمد بشكل أساسي على استيراد حاجتها الدوائية من الخارج؛ إذ لا يتجاوز عدد المصانع في العالم العربي الـ315 مصنعًا، ولكن تمكنت بعض الدول العربية من الاستفادة من تصنيع الأدوية التي تم إسقاط حقوق براءات الاختراع عنها.
وبحسب الأمين العام لـ«الاتحاد العربي لتنمية الصادرات الصناعية»، عبد المنعم محمد محمود، فإن الدول العربية تنتجأدوية قيمتها 11 مليار دولار سنويًا، موضحًا أن «خمس إلى ست دول عربية تصدر منتجاتها الدوائية إلى الخارج»، بينما يتم استيراد ما نسبته 65 : 80% من الأدوية، كما أن المواطن العربي ينفق نسبة تتراوح بين 60 : 80% من أمواله المخصصة للقطاع الصحي على الأدوية.
اقرأ أيضًا:
وتشير تقارير إلى أن استهلاك العالم العربي من الأدوية محدود للغاية، ويقارب ما تستهلكه تركيا فقط؛ إذ إن المواطن العربي ينفق نحو 40 دولارًا سنويًا على الدواء، مقابل 600 دولار للفرد الأوروبي.
وحتى الآن لا يمكن القول إن المنطقة العربية لديها قطاع لصناعة الأدوية، كما أنه لا يوجد مخطط استراتيجي لتطوير الصناعة الدوائية وربطها بالبحث العلمي من أجل اللحاق بالتقدم المتسارع في علوم وتكنولوجيا الدواء عالميًا
.SASSA ليس بالضرورة ان يعبر هذا المقال عن رأي الموقع بل انه يعبر عن رأي صاحبه
قم بكتابة اول تعليق