تحليل: كيف تؤثر حرب أوكرانيا على تحالفات دول عربية مع الغرب؟

يبدو أن الحرب في أوكرانيا شكلت اختبارا صعبا لعلاقات الغرب وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية بالحلفاء العرب، إذ كشفت ترددا وحذرا في مواقف دول عربية. فإلى أي حد يشكل ذلك تحوّلا في تحالفاتها الاستراتيجية؟
قرار السعودية في منظمة أوبك بلاس أحدث خيبة أمل كبيرة في البيت الأبيض، ماذا تبغي السعودية من ذلك؟
حظيت القرارات الثلاثة المتعلقة بالغزو الروسي لأوكرانيا التي صوتت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال عام بتأييد واسع من قبل دول العالم، سواء في قرار الجمعية العامة الأول الصادر في بداية شهر مارس/ آذار 2022، أو في قرارها الثاني القاضي بإدانة الغزو واعتباره خرقا للقانون الدولي، ثم في قرارها الثالث حول رفض ضم روسيا لإقليمين في شرق أوكرانيا، وصولا إلى تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان.

وبدوره كان تصويت معظم الدول العربية لصالح الموقف الغربي المؤيد لأوكرانيا، إلا أن المراقبين يرصدون تفاوتا في مواقف الدول العربية في المسوغات التي قدمتها لتفسير مواقفها. فهنالك دول عربية أيدت أوكرانيا ودول أخرى تحفظت ودولة واحدة (سوريا) اعترضت.

بيد أن الدول العربية أظهرت تباينا في خطواتها ومواقفها وإشاراتها إزاء طرفي النزاع الروسي والأوكراني ومن ورائه الغربي. ويُطرح السؤال حول المدى الذي تساهم به حرب أوكرانيا في تقارب أو تباعد دول عربية حليفة للغرب من الولايات المتحدة وأوروبا أو في اتجاه معاكس من روسيا.

أزمة ثقة بين أمريكا وحلفائها العرب
يبدو أن حرب أوكرانيا شكلت اختبارا كبيرا لعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية بحلفائها العرب، إذ كشف ترددا وحذرا في مواقف دول عربية مثل السعودية ومصر والإمارات والجزائر والعراق والمغرب من الغزو الروسي لأوكرانيا.
كيف أثّرت حرب أوكرانيا على الاقتصاد وحياة الناس في الدول العربية؟
وتعتبر المواقف الصريحة من الصراع، استثناءات، ويتعلق الأمر بسوريا حليفة روسيا، الدولة العربية الوحيدة التي صوتت ضد القرارات الثلاثة، وبالمقابل الكويت التي أيدت بقوة موقف أوكرانيا على خلفية تجربتها المريرة مع الغزو العراقي سنة 1990، كما أوضح الشيخ سالم الصباح وزير الخارجية الكويتي في لقاء بمؤتمر ميونخ للأمن العالمي.

ويلاحظ خميس الجهيناوي وزير الخارجية التونسي الأسبق ورئيس مجلس العلاقات الخارجية (هيئة غير حكومية تونسية للتفكير في القضايا الاستراتيجية) في حوار مع DW، أن اعتبارات وحسابات خاصة بكل دولة عربية – على حدة – وجهت مواقفها من الأزمة الأوكرانية. ويضيف بأن المصالح المتبادلة بين روسيا وعدد من الدول العربية الحليفة للغرب، باتت تشكل ثقلا مؤثرا على مواقف هذه الأخيرة في قضايا دولية حسّاسة بالنسبة للغرب، على غرار غزو أوكرانيا.

وفي تحليله لأسباب التردد والحذر في مواقف دول عربية عديدة حليفة للغرب، من غزو أوكرانيا، يرى عمرو الحمزاوي أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، بأن أحد الأسباب الرئيسية لذلك يأتي من كونها واجهت “مأزقا في الموازنة” بين تحالفاتها مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وانتظاراته (الغرب) بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا من ناحية وحجم علاقاتها المتنامية مع روسيا.

الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته للسعودية وعقده قمة مع عدد من الزعماء العرب هناك – يوليو/ تموز 2022
تعرضت علاقات واشنطن بحلفائها العرب لأزمة ثقة، فهل يتم تجاوزها؟

وثمة سبب آخر، يتمثل في حدوث فراغ استراتيجي في علاقات الولايات المتحدة بحلفائها العرب، منذ إدارتي الرئيسين أوباما وترامب، اللتين وجهتا السياسة الخارجية الأمريكية نحو شرق آسيا، وكان ذلك على “حساب الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط التي بات يُنظر لها في واشنطن على أنها منطقة الحروب الخاسرة” كما يلاحظ الدكتور حمزاوي. ويضيف بأن هذا التحول تسبب في ارتباكات شديدة في قراءة الدول العربية للسياسة الأمريكية، وأثار بالتالي مخاوف لديها من تراجع واشنطن في تعهداتها الأمنية ناهيك عن ريبة الأطراف العربية وخصوصا الخليجية إزاء مسألة تطور المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي.

وجاءت الأزمة الأوكرانية باعتبارها تمظهرا للصراع بين روسيا والغرب، لتثير لدى الدول العربية تساؤلات حول جدوى انحيازها الكامل للغرب وخصوصا الولايات المتحدة التي يرون بأنها تخلت عن تعهداتها تجاههم.

كيف طوّرت روسيا علاقاتها العربية على حساب الغرب؟

في الوقت الذي تعرضت فيه علاقات واشنطن مع حلفائها العرب إلى اهتزاز الثقة، كانت العلاقات الروسية العربية تتوثق بشكل ملحوظ في الميادين الاقتصادية والعسكرية و قطاعات حساسة لشعوب المنطقة مثل الحبوب إذ تعتبر روسيا أول شريك عسكري وحليف تقليدي للجزائر منذ حقبة الحرب الباردة، وارتفعت صادرتها من السلاح بشكل ملحوظ لمصر وذلك لأول مرة منذ حرب 1973. و تلبي روسيا لدول حليفة للغرب مثل السعودية ومصر مصالح لا تحصل عليها من الولايات المتحدة، وهنا يتعلق الأمر ببناء مفاعل نووي للسعودية وصفقات سلاح ضخمة مع مصر. وتعتمد السياحة في مصر وتونس والإمارات العربية المتحدة على ملايين الوافدين من سوق السياحة الروسية. وحتى المغرب الشريك الاستراتيجي للناتو من خارج الحلف، بات يقيم علاقات شراكة اقتصادية واسعة مع روسيا. وهنالك من يرى بأن روسيا بفضل علاقات استراتيجية متنامية باتت تستميل دول عربية حليفة للغرب وتؤثر بالتالي على مواقفها.

في مقال بعنوان “كيف يخسر الغرب الشرق الأوسط أمام بوتين” صدر بصحيفة “دي فيلت الألمانية” في عددها ليوم 12 يوليو تموز 2022، يرى الكاتب الصحفي الألماني دانييل- ديلان بويمر أن هنالك سببا آخر “للتفوق” الذي يحققه الروس على حساب الأمريكيين في الشرق الأوسط، ويتمثل في مجال الطاقة، حيث تنسق موسكو مع كل من الرياض وأبوظبي والجزائر في منظمة “أوبك بلاس”، وهو ما يجعل خطوات هذه الدول حذرة إزاء دعوات الغرب حلفائهم للانضمام إلى العقوبات ضد روسيا.

D W