
2017-10-25
عودة المكارثية الى اميركا تعيدها الى دولة مباحث والحد من الديموقراطية والحرية
جددت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، مهلة سريان قانون حسّاس، تنتقده مؤسسات المجتمع المدني، لأنه يسمح للأجهزة الأمنية بالتنصت على الأجانب والأميركيين واختراق خصوصياتهم.
ويعتبر منتقدو هذا القانون الذي يثير سخط المدافعين عن الخصوصية الفردية، أنّه يُجيز لوكالات الاستخبارات التجسس على اتصالات الأميركيين الخاصة، وجمع بيانات إلكترونية عنهم.
وأقرّت اللجنة صيغة مطابقة تقريباً لـ”المادة 702″، التي أوشك أجلها على الانتهاء، والتي تُجيز لوكالة الأمن القومي جمع الاتصالات التي تخصّ أجانب وأمريكيين وتحليلها والاحتفاظ بها.
ويُتيح هذا القانون، في سياق جمع اتصالات الأجانب، الجمع “العرَضي” لاتصالات مواطنين أميركيين، وهو ما يُؤكّد معارضوه أنّه يتمّ بوتيرة أكبر ممّا تقرّ به وكالات الاستخبارات، ويُفسح المجال أمام وكالات غير استخباراتيّة، على غرار مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) لاستخدام تلك البيانات.
ويؤكّد المعترضون، وعلى رأسهم العضو في لجنة الاستخبارات السيناتور رون وايدن، أن وكالة الأمن القومي تجمع كمّيات هائلة من بيانات الهاتف والبريد الإلكتروني العائدة لأمريكيين، وأغلبها ليس ضروريّاً، كما أن بعضها ليس نتيجة عرضيّة لمراقبة أجانب.
وفي المقابل، تؤكّد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأجهزة الاستخبارات الأميركية الكثيرة والمتنوعة، أن القانون الذي أقرّته اللجنة بـ 12 صوتاً مقابل 3 ضد، حيوي لحماية البلد..
والمشهد الأمريكي في هذه الفترة يذكرنا بـ “أمريكا” المكارثية.. أمريكا جوزيف مكارثي التي قامت بملاحقة المثقفين والفنانين وأساتذة الجامعات والعلماء في الخمسينات من القرن الماضي بتهمة “الشيوعية”.. حتى لو كان هؤلاء من الد خصوم الشيوعية!
منذ أيام ظهرت في شبكة الإنترنت قوائم تحمل أسماء فنانين أمريكيين متهمين بـ “انتقاد أمريكا” وكان نقد أمريكا التي تباهي بديمقراطيتها تهمة تستحق العقاب والتشهير..
حملت القائمة عدداً من أسماء كبار مشاهير الفن والتمثيل في أمريكا ممن عارضوا حرب الولايات المتحدة على العراق.. وقد قامت مجموعة من المحافظين المتشددين بنشر هذه القوائم وتعميمها عبر شبكة الانترنت.. والهدف هو إخافة كل من يحمل وجهة نظر أخرى مختلفة عن وجهة النظر السائدة في الأوساط اليمينية المحافظة التي تتسيد المشهد السياسي في أمريكا اليوم..
هذا بالضبط ما كانت تفعله اللجان التي أشرف عليها السيناتور جوزيف مكارثي.. وقد أساءت تلك اللجان إلى عدد كبير من الشرفاء من مثقفي أمريكا في تلك الحقبة المظلمة.. وكان الناس يعتقدون حتى وقت قريب أن تلك الحقبة قد انتهت من التاريخ الأمريكي ولن تعود مرة اخرى.. إلا أن واقع الحال في أيامنا الحاضرة يؤكد أن التاريخ قد أعاد نفسه مجدداً..
من الأمور التي يتكرر ذكرها كثيراً في أوساط المثقفين الأمريكيين ما كان يسمى بـ “القوائم السوداء”.. وهي تشبه تماماً القوائم التي تنشر هذه الأيام في شبكة الإنترنت.. وقد كانت الممثلة الأمريكية “روز هوبارت” مجرد واحدة من ضحايا كثيرين للقائمة السوداء في حقبة الخمسينيات.. وهي لم تكن ماركسية لكنها رفضت أن تشهد ضد زملائها وزميلاتها في هوليوود حينما كانت تهمة الماركسية “تلفق” ضد كل من يعبر عن آراء مستقلة عن خط جوزيف مكارثي..
المخيف هو، كما قلت، عودة المكارثية بهذه السرعة رغم أن الجميع كان يعتقد – حتى وقت قريب – ان حقبة مكارثي قد انتهت إلى غير رجعة.. فخمسين سنة من تاريخ الأمم هي فترة قصيرة جداً، لكنها لم تكد تنطوي حتى فوجىء العالم بما لم يكن يتوقعه وهو العودة إلى زمن التسلط الفكري في دولة شنت الحرب بدعوى نشر الديمقراطية..
وقد يكون القادم أسوأ بكثير من الحاضر.. لأن الأصوات المحافظة في أمريكا لا تريد أن تحاسب مثقفيها وحدهم على مواقفهم، لكنها تريد – أيضاً – أن تحاسب بلداً مثل فرنسا على مواقفها..
يبدو أن أمريكا تجاوزت زمن المكارثية المحلية إلى المكارثية العالمية.. وأن جوزيف مكارثي القادم من دنيا القبور قد امتطى “صهوة” صاروخ عابر للقارات ليقيم لجاناً للتحقيق والمساءلة في كل ركن من أركان العالم.
قم بكتابة اول تعليق