
4:32 AM 11/30/2022
فق الرواية الروسية، فإنّ السببَين المباشرين المعلنين للهجوم على أوكرانيا هما استخدام الغرب لأوكرانيا كنقطة ارتكاز لغزو وتدمير روسيا، ومساعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو.
صراع الكنائس بين روسيا وأوكرانيا يعود إلى 1000 عام.. لماذا تُعتبر كييف “القدس” للكنيسة الروسية؟
عربي بوست
وفي حين يواصل الجيش الروسي هجومه الشامل على جارته في محاولة لتطويق العاصمة كييف، تحاول وسائل الإعلام العالميّة تخمين دوافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحقيقيّة، وحدود هجومه على أوكرانيا.
وفي هذا الإطار، يُشير البعض إلى أنّ هناك أسباباً خفيّة لدخول روسيا يتمّ تجاهلها، أبرزها الأهميّة الدينيّة لمدينة كييف.
ففي مقالٍ نشرته في 23 فبراير/شباط الماضي، تقول باس إنّ الهجوم الروسي لا يقلّ أهميّة عن “حملةٍ صليبيّة لاستعادة الأراضي الأرثوذكسية المقدّسة من المهرطقين الغربيّين”، نظراً للرمزية الكبرى التي تتمتّع بها مدينة كييف في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية.
وبالنسبة إلى المؤرّخة، فإنّه “عندما يتعلّق الأمر بالأرثوذكسية الروسيّة، فإنّ كييف هي بمثابة القدس”. لذا، فإنّ الصراع على أوكرانيا هو أيضاً صراع على أيّ أرثوذكسية ستسيطر على شرق أوروبا. الروسية أم الأوكرانية؟
ولفهم هذه الرمزيّة، وقبل الحديث عن تفاصيل انفصال الكنيستين الحديث، لا بدّ من العودة إلى الجذور. إلى سبب تشبيه لبوتين بفلاديمير الأول، أو فلاديمير الكبير كما هو معروف، الذي حكم كييف بين 978 و1015.
أمير كييف الوثني وأصل الخلاف الأرثوذكسي بين البلدين
فالخلاف بين الكنيستين الأرثوذكسيّتين الروسية والأوكرانية ليس وليد اليوم، بل له جذور تمتدّ إلى مئات السنين، لكنّه تصاعد في السنوات الأخيرة بعد إعلان أرثوذكس أوكرانيا تأسيس كنيستهم المستقلّة عن الكنيسة الروسية في يناير/كانون الثاني 2018؛ حين انعقد مجلس خاص للأساقفة في كاتدرائية “القدّيسة صوفيا” الأثرية في كييف، وانتخب الأسقف إيبيفاني رئيساً لـ”الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المستقلة”.
قبل أكثر من ألف عام، في ثمانينيات القرن العاشر، وحّد أمير كييف الوثني الشعوب الروسية- في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا- في دولةٍ واحدة، واعتنق المسيحيّة. تختلف الروايات التاريخية حول حقيقة اعتناقه المسيحيّة، ولكن تذكر بعض المراجع أنه كان شرط الإمبراطور البيزنطي باسيل الثاني ليقبل زواج فلاديمير الكبير بشقيقته الأميرة آنا.
لاحقاً، جعل فلاديمير المسيحيّة ديانة شعبه احتفالاً بانتصاره على قمع المتمرّدين ضدّ الإمبراطور البيزنطي؛ فأصبحت كييف مدينة مسيحيّة، ويذكر الكاتب آلبرت مور في كتابه “أيقونية الأديان” (1977) أنّه في طريق عودته إلى كييف، حطّم فلاديمير الكبير الأوثان، وقاد معموديّة جماعيّة على نهر دنيبر في العام 988.
ومن هنا، يعتبر الصحافي البريطاني والقسّ جيل فريزر أنّ بوتين يسعى لاستعادة كييف “المدينة الأم للأرثوذكسيّة الروسيّة”، تذكيراً بأمجاد فلاديمير الكبير الذي طوّب قديساً فيما بعد، ويحتفل المسيحيّون الأرثوذكس الشرقيّون والكاثوليك بذكراه.
لاحقاً في القرن الـ13، عانت كييف من اعتداءات الأمراء الروس والمغول، فانتقل العديد من الروس شمالاً وشرقاً إلى المدن الأحدث كموسكو، حيث ازدهرت الكنيسة في موسكو وأصبحت واحدة من أهمّ الكنائس الأرثوذكسية.
مع هذا التحوّل، أصبحت الكنيسة الأرثوذكسية- التي تأسّست في كييف تحت رعاية القسطنطينيّة- تحت سلطة موسكو. الأمر الذي أدّى إلى توتّر أوكراني روسي لقرونٍ عدّة، وصل إلى ذروته خلال الاتحاد السوفييتي. ومع انهياره، كان لأوكرانيا عدّة كنائس أرثوذكسية، واحدة منها فقط كانت على علاقة وثيقة بموسكو.
الانشقاق الكنسي الحديث بين روسيا وأوكرانيا.. أكبر انشقاق في المسيحيّة منذ ألف عام
في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وبحضور بوتين، احتفلت روسيا بإنشاء نصبٍ تذكاري ضخم لـ”فلاديمير الكبير”، وكرّر التلفزيون الروسي الرسمي أنّ التمثال هو أوّل نصب تذكاري له، متجاهلاً تمثاله الموجود في كييف.
وأكثر من ذلك.. لم يأتِ أحد على ذكر “كييف” في الحفل، فيما ألمح بطريرك “الكنيسة الأرثوذكسية الروسية” كيريل إلى الخلاف بين روسيا وأوكرانيا عندما قال إنّ “أحفاد فلاديمير يعيشون حالياً في العديد من البلدان، ومن المسيء أن ينسى الأطفال أنّ لديهم نفس الأب”.
آنذاك، ردّت أوكرانيا على ما حصل من خلال حسابها الرسمي على تويتر، حين نشرت صورة لنصب كييف التذكاري، مستخدمةً التهجئة الأوكرانية لاسم الأمير “فولوديمير” بدلاً من “فلاديمير”.
لاحقاً في العام 2018، نجح الأوكرانيون بإنشاء كنيستهم المستقلّة وأعلنوا ذلك من كاتدرائية “القديسة صوفيا” في كييف. وهي الكنيسة التي بناها ياروسلاف الحكيم، ابن فلاديمير الكبير.
وفي أعقاب ذلك، سافر المطران المنتخَب إيبيفاني إلى اسطنبول مطلع العام 2019، حيث البطريركية القسطنطينية المسكونية (المقرّ التاريخي للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية) ليحصل على “أمرٍ رسمي” يمنح كنيسة كييف “الاستقلال”.
الأمر الذي أثار غضب الكنيسة الروسية التي أعلنت قطع العلاقات مع بطريركية القسطنطينية احتجاجاً على موافقتها على طلب أوكرانيا إقامة كنيسة مستقلّة، واصفةً التحرّك بأنه “أكبر انشقاق في المسيحيّة منذ ألف عام”.
من جهتها، تبارك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية غزو بلادها لجارتها الأوكرانية. فقد وصف رئيس الكنيسة، البطريرك كيريل، خصوم موسكو في أوكرانيا بـ”قوى الشرّ”، حين ظهر متحدثاً في اليوم الرابع للحرب
— وفي بيانٍ أصدره بعد أيامٍ من الهجوم الروسي على بلاده، قال بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية إيبيفاني عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنّ “روح المسيح الدجّال تعمل في زعيم روسيا”، مضيفاً: “كان هذا هتلر في الحرب العالمية الثانية. وهذا ما أصبح عليه بوتين اليوم”.
تجدر الإشارة إلى أنّه، ومنذ تولّيه الحكم، دأب بوتين على دعم الكنيسة الروسية التي باتت تدعمه هي الأخرى، فعلاقة الطرفين وثيقة. وفي هذا الإطار، يرى الكاتب مايكل خوداركوفسكي في “نيويورك تايمز” أنّ الكرملين اعتمد على الكنيسة الأرثوذكسية باعتبارها القوّة الموّحدة الرئيسة في البلاد، وقدّم لها دعماً مالياً سخياً.
في المقابل، روّجت الكنيسة لمفهوم “العالم الروسي” الذي يصوّر الكرملين كمدافع عن الروس خارج روسيا. كما دعمت حملات بلادها العسكرية في مختلف البلاد، كسوريا مثلاً، حين وصفت التدخّل الروسي في سوريا بـ”المعركة المقدّسة”.
أعلن المجلس الإقليمي لمقاطعة لفوف الأوكرانية، حظر أي أنشطة للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية ومجتمعاتها في المقاطعة، مطالبا بتغيير تبعيتها عن بطريركية موسكو.
وقال المجلس الإقليمي في رسالة على الشبكة الاجتماعية: “قرر نواب المجلس الإقليمي في لفوف اليوم، ضرورة حظر أنشطة المنظمات الدينية التابعة للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المرتبطة مع بطريركية موسكو على أراضي المدينة”.
ويوصي المجلس في تقريره، بأن تساهم الحكومات المحلية في المقاطعة، بتغيير تبعية مجتمعات الكنيسة الأرثوذكسية في المسائل القانونية والتنظيمية، والتي يقترح من أجلها عقد اجتماع عام للمجتمعات الدينية مع تقديم التغييرات والإضافات المناسبة على مواثيق المنظمات.
ودعا النواب، وكالات إنفاذ القانون وقوات الدفاع الإقليمية بطلب “ضمان سلامة المنشآت والممتلكات الثقافية” للكنائس التي توافق على التحول إلى الأديان الأخرى.
ومنذ بداية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، أصبحت الهجمات على الكنائس ورجال الدين والمؤمنين في الكنيسة الأرثوذكسية من قبل النازيين الأوكرانيين أكثر تكرارا.
RIA Novosti