
فجأة.. ومن دون ظهور مؤشرات على الارض، انذرت اربع عواصم، ثلاث منها ذات وزن ثقيل، رعاياها المقيمين في لبنان، باتباع الحذر والتنبه، بسبب وجود مخاطر امنية، ثم راحت التقارير الامنية المتداولة تتحدث عن ان حدثا امنيا ما سيحدث في خلال ثمان واربعين ساعة..مضت ساعات «الخطر الدبلوماسي».. لكن المخاوف والهواجس الامنية ما تزال حاضرة بقوة، لتتوجه الانظار مجددا الى «قبلته» الامنية الاولى..مخيم اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة الذي يجاور عاصمة الجنوب صيدا وقرى وبلدات ذات تنوع طائفي ومذهبي..المخيم نفسه الذي حولته الجماعات الاسلامية المتطرفة المرتبطة بالتنظيمات الارهابية مجموعات الى ساحة خطر كبير، تمثل المربعات الامنية في احياء المخيم اكبر بؤرة ارهاب، بعد تصفية وجود الارهاب في الجرود، تهدد الشبكات الارهابية التي تخرج منها، الامن اللبناني برمته، من العاصمة بيروت الى الجنوب.
ومع ان آخر اشتباكات مسلحة دارت في المخيم على امتداد اسبوع كامل، بين الجماعات الارهابية المتمركزة في مربعات امنية في عدد من الاحياء، وبين قوات الامن الوطني الفلسطيني وحركة «فتح» كانت في نيسان الماضي، الا ان المنسوب المرتفع للاحتقان داخل المخيم اُبقاه في حالة العناية الفائقة في الجانب الامني المرتبط بوجود رموز لارهابيين فلسطينيين ولبنانيين، ومن جنسيات عربية اخرى اكدت وجودها اوساط فلسطينية، تنضوي في صفوف هذه الجماعات.
وعلى الرغم من الهدوء الذي «ينعم» به المخيم، الا ان الاسباب التي كانت في كل مرة تُدخله في جولة من الاشتباكات لا تنتهي الا بسقوط ضحايا واضرارا مادية، وباهتزاز للامن اللبناني، ما تزال قائمة، وتتمثل بوجود شبكات ارهابية تنضوي في جماعات تقيم مربعات امنية هي اقرب الى «الولايات الاسلامية» التي بناها تنظيم «داعش الارهابي» في مناطق سيطرته في سوريا والعراق، قبل هزيمته، من بينهم مطلوبون لبنانيون من امثال شادي المولوي وفضل شاكر ومناصريهما الذين لجأوا الى الهرب هربا من الملاحقات التي يقوم بها الجيش اللبناني في حربه الاستباقية على الارهاب، فيما لم تُقدم القيادات الفلسطينية على اي معالجة للوضع الشاذ لعدد من احياء المخيم، الذي يجعل المخيم وسكانه رهينة لأخطر البؤر الارهابية التي لم تعد تهدد المخيم بأمنه، بل باتت تشكل تهديدا مباشرا على الداخل اللبناني، بدءاً من العاصمة مرورا بالجنوب ومناطق اخرى، طالما ان التحقيقات الامنية التي اجرتها الاجهزة العسكرية اللبنانية اظهرت تورط العديد من المطلوبين الارهابيين في عمليات تفجير نفذتها التنظيمات الارهابية، ضد الجيش اللبناني ومناطق سكنية.
الفصائل.. استنفار مُبطَّن بانتظار «ساعة صفر» مرتقبة
ما يشير الى «استثنائية» الوضع الامني في مخيم عين الحلوة، ان معظم من القي القبض عليه من افراد الشبكات الارهابية، اكد علاقة هذه الشبكات بارهابيين يقيمون في مخيم عين الحلوة، فالجيش بدأ منذ اربعة ايام، بتعزيز إجراءاته العسكرية والأمنية حول المخيم، بعد التقارير الامنية التي تحدثت عن ارهابيين من المخيم يستعدون لتنفيذ عمليات ارهابية في الداخل اللبناني، واعقب ذلك انذارات لسفارات فرنسا والولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وكندا، مختلف الفصائل الفلسطينية في عين الحلوة، وفق قيادي فلسطيني، يُجمع على ان الوضع الامني في مخيم عين الحلوة، يشبه صفيح ساخن في صيف حار، ولا امكانية للتعايش مع الواقع الامني المتأزم، طالما بقيت المربعات الامنية التي تأوي «جيشا» من المطلوبين اللبنانيين والفلسطينيين قائمة في الاحياء، وطالما بقيت الجماعات خارج ارادة القيادات الفلسطينية وفصائلها.
لا يُقارن قيادي فلسطيني رفيع، الوضع في المخيم الا بـ«برميل بارود» يجهل الجميع متى ينفجر، ويقول.. معظم الفصائل الفلسطينية تتعامل مع الواقع الامني في المخيم على انه ينتظر «ساعة صفر» ما تزال معالمها وتوقيتها في دائرة الغموض، وما يشير الى ذلك الاستنفار المبطن، التعزيزات البشرية والعسكرية التي جرت في الاسابيع الماضية، انسجاما مع ما تحضره الجماعات الارهابية التي كانت تتمركز داخل حي الطيرة، قبل الاشتباكات الاخيرة، وتوارت داخل مربعات امنية تخضع لسيطرة جماعات اسلامية متطرفة، دعمتها عسكريا في الاشتباكات الاخيرة، ومعروف عن هذه الجماعات انها تؤمن الحماية الامنية للارهابي شادي المولوي، وهي «استضافت» الشيخ احمد الاسير ومجموعاته الهاربة من معركة عبرا التي خاضها الجيش اللبناني ضد «جمهورية الاسير» في مسجد بلال بن رباح في عبرا في حزيران العام 2013، بعد ان فتح انصار الاسير النار غدرا على حواجز وآليات الجيش اللبناني، واستشهد 18 ضابطا وجنديا وجرح اكثر من مئة آخرين، فالمخاطر الامنية داخل المخيم تزداد، مع التعقيدات التي شهدها ملف المطلوبين على خلفية تورطهم بعمليات ارهابية، تطالب السلطات اللبنانية وبالحاح، بتسليمهم لمحاكمتهم، من دون اي افق للوصول الى المعالجة الجدية المطلوبة التي تصب في مصلحة اللبنانيين والفلسطينيين.
الابقاء على مربعات امنية لارهابيين لم يعد مقبولا
وتقرأ الاوساط القيادية الفلسطينية، انه بعد معارك جرود السلسلة الشرقية في عرسال «ان عُدتم عدنا» وفي رأس بعلبك والقاع «فجر الجرود»، لم يعد مقبولا في الحسابات اللبنانية ولدى عواصم القرار «المتحمسة» لمحاربة الارهاب، الابقاء على مربعات امنية لجماعات ارهابية يقودها ارهابيون مطلوبين للقضاء اللبناني، سيما وان مخاطر هذه الجماعات، يزداد يوما بعد يوم، بفعل تنامي وجودها داخل المخيم، وتحولها الى ساحة استقطاب اسلاميين متطرفين يخضعون لمغريات تمهد لانخراطهم في التنظيمات الارهابية، وان كان هذا النمط من التجنيد تراجع نسبيا، بعد الهزائم التي مني بها تنظيما «داعش» و«جبهة النصرة» في جرود السلسلة الشرقية، وعلى امتداد الحدود اللبنانية السورية، فلا الوضع اللبناني الخارج من معارك تحرير الجرود من الارهابيين يسمح باستمرار «التطنيش» على اهتزازات امنية في الداخل اللبناني، وخطورتها انها ذات طابع ارهابي، ولا الوجود الفلسطيني في المخيمات، الذي يواصل دفع ضرائب اجندات الارهاب الوافد الى المخيم من خلاف الحدود.
على الدوام تكون «عدَّة» الفصائل الفلسطينية في المخيم للامساك بالوضع الامني في المخيم غير جاهزة، يضيف القيادي، وغالبا ما تلجأ القيادات السياسية والعسكرية والامنية الفلسطينية الى طاولات الاجتماعات، من دون ان تحسم وضعا امنيا بخلفيات ترتبط باجندات الجماعات الارهابية المعسكرة داخل احياء في المخيم، فترتسم المحاور القتالية ويشهد سكان المخيم كل اشكال الحروب، والتي تشبه الى حد كبير يوميات الحرب اللبنانية التي اندلعت في العام 1975، مناطق عسكرية متقابلة، دشم وتحصينات، خنادق، رصاص قنص ودوي انفجارات القذائف الصاروخية والقنابل اليدوية التي تلقى من منزل الى آخر،.. فخلاف في لجنة المتابعة الامنية التي تشكل في كل جولة، على مصير النفوذ العسكري في هذه «الزاموقة» وذاك الزقاق، لينتهي الوضع بـ «هدنة» هشة يُسقطها اشكال جديد.. فجولة جديدة من الاشتباكات، لم يعُد يُجدي ما تقوله القيادات الفلسطينية، في تبريرها للارباك الذي تعاني منه الساحة الفلسطينية، ما يجعلها عاجزة عن معالجة الوضع الامني لمخيم خارج سيطرة الاجهزة الامنية اللبنانية، من «ان المطلوبين هم لبنانيون، ونحن لم ندخلهم الى المخيم»!، لان الوضع بعد معارك الجرود والانتهاء من عملية استئصال التنظيمات الارهابية منها، وبعد الانجازات التي تحققت في اطار الحرب الاستباقية التي يخوضها الجيش اللبناني والامن العام اللبناني والاجهزة الامنية الاخرى، لم يعد كما كان قبله، سيما وان المحاذير والاشارات الاقليمية والدولية التي كانت ترفض اللجوء الى المعالجة القيصرية من خارج المخيم، على الرغم من التداعيات الخطيرة التي يمكن ان يتركها مثل هذا الخيار، على مصير علاقة السلطات اللبنانية مع المخيم، لكن تبقى تداعيات ومخاطر الابقاء على «جزر امنية» تعج بالارهابيين، في منطقة حساسة كمخيم عين الحلوة، اكبر مما يمكن ان يتحملها لبنان والفلسطينيون.
لا خروج آمن للارهابيين ولا مفاوضات معهم
لدى الاوساط الامنية الفلسطينية ما يجعلها مطمئنة الى ان مخيم عين الحلوة، سيتخلص من كل الحالات الطارئة عليه، وهي تستند برؤيتها المتفائلة الى الاتصالات اللبنانية ـ الفلسطينية الجارية على هذا الخط، وعلى مستوى عال، فالاجواء مع الجانب اللبناني ايجابية، وان البحث الجدي سيكفل معالجة جدية وناجعة للوضع الامني في المخيم، ويلفت الى ان خيار المعالجة الفلسطينية من داخل المخيم لا يزال متاحا، وان الامور تسير وفق ذلك، والجانب اللبناني متحمس لهذا الخيار، سيما وان اي صفقة تقضي بـ «ترحيل» الارهابيين المطلوبين للقضاء اللبناني من المخيم الى الخارج باتت مستحيلة، بعد انهاء وجود التنظيمات الارهابية في الجرود، «فلا خروج آمن للارهابيين، ولا مفاوضات معهم حول كيفية تسوية اوضاعهم»، عبارة كررها اكثر من مسؤول امني لبناني، طالبوا القيادات الفلسطينية بالعمل لالقاء القبض على المطلوبين من داخل المخيم … لان الوضع يزداد خطورة، وثمة من يتهامس حول وضع الارهابيين في المخيم، بعد معارك الجرود، ويتحدث عن انهيار معنوياتهم بعد هزيمة «النصرة» و«داعش»، وما يوترهم اكثر، ضيق مساحات المناورة بعد خروج التنظيمات الارهابية من الجرود، والجدية التي بدأت تظهر في معالجة ملفهم، حتى باتوا امام خيارين، اما التسليم الطوعي للجيش.. وإما بالقوة، لكن كيف؟ومتى؟، هو السؤال الذي سيجيب عليه المقبل من الايام، ريثما تتبلور الصيغة التي ستتعامل بها الجهات الرسمية المختصة.
الديار
قم بكتابة اول تعليق