
– الكشف الشفاف بالوقائع عن من ساهم باختطاف العسكريين واجب وطنيّ وأخلاقيّ ومقدّس
بقلم جورج عبيد – يعرف الضابط والجنديّ في الجيش اللبنانيّ، وفي معظم جيوش العالم، بأن خدمته العسكريّة من شأنها أن تؤول إلى شهادة الدم في سبيل الوطن، وفي الدرب نحوها قد يتعرّض لصنوف التجارب العديدة والمريرة، ويبقى كل ذلك من باب الواجب الوطنيّ المنذور لأجله.
هذه المسلّمة وطنيّة بامتياز تخصّ كلّ من انتسب للجيش، ويذوق بهاءها اللبنانيون في مسرى دفاع الجنود والقوى الأمنية عن لبنان كوطن كامل له كيانه بل كيانيّته، ورسوخه بين الأمم والأوطان تحتّمه تلك الكيانيّة. تنطلق بعض المصادر السياسيّة من هذه الرؤية بكمالها لتميّز من بعد تسلّم الجيش اللبنانيّ جثامين العسكريين المخطوفين الثمانية، بين الشهادة على الجبهة والشهادة عن طريق الغدر والخيانة. فالشهادة على الجبهة طبيعيّة كنتيجة للقتال مع العدوّ، لكنّ الشهادة الأخرى تتولّد بل تنفجر من مجموعة علامات استفهام خطيرة وكبرى، يفترض بالدولة اللبنانيّة أن تحلّلها وتجري على أساسها المقتضى القانونيّ والطبيعيّ خارج أية تسويات وجوائز ترضية وبلا تغطية على أي متورّط في هذه المسألة بالذات.
وقبل أن تبسط المصادر المشار إليها رأيها في علامات الاستفهام المتفجرة من العقول والقلوب والباحثة عن الحقيقة، توقفت عند الصفقة التي أدّت إلى تحرير الجرود من مقاتلي داعش بالكامل، واعتبرت بأنّ التحرير هدف كبير، والدور الذي اضطلع به اللواء عباس إبراهيم المدير العام للأمن العام ممتاز وراق وصلب. فالتحرير عن طريق إذعان داعش لمطالب الجيش اللبنانيّ وحزب الله، “قد” يبدو أفضل من تكبيد الجيش شهداء وجرحى من أجل تحرير منطقة مرطبيّا على الحدود مع سوريا عن طريق القتال، وتشير تلك المصادر بأنّ عملية اكتشاف رفات الشهداء، الذين قتلوا عمدًا سنة 2015 في منطقة وادي الدبّ، ما كانت ممكنة لو لم تتمّ تلك الصفقة بين حزب الله وتنظيم داعش، والصفقة في حقيقتها وجوهرها هي نتيجة، وليست هدفًا، نتيجة لقرار منع الجيش اللبنانيّ من مقاتلة تنظيم داعش وجبهة النصرة في عرسال وجرودها، والقرار صيغ من قبل العهد السابق برموزه وأعلامه ومهّد له إعلامه، حيث أدّى إلى عمليّة الخطف والقتل. وبحسب تلك المصادر فإنّ المشتهى إبادة داعش وهو أقصى ما كان يتطلّع إليه رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، وأمين عام حزب الله حسن نصرالله، وقد أعدّوا العدّة لهذه العمليّة. تحسّب تنظيم داعش من قوّة العمليّة وأدخل نفسه بعملية مقايضة مزدوجة مع الحزب بشهدائه والجيش أيضًا بشهدائه ليحصل على هذه النتيجة الحاملة لمعالم التحرير والنصر، بانسحاب تنظيم داعش إلى سوريا بلا خسائر يتكبدها الجيش.
انطلقت المصادر من هذا المعطى كنتيجة لما حدث في سنة 2014، حين تلقّى الجيش اللبنانيّ أمرًا بعدم خوض المعركة في عرسال وجرودها. وتقارن بين تلك المرحلة ومرحلة نهر البارد خلال عهد الرئيس إميل لحود، فتذكّر بأنّ اللواء الشهيد فرنسوا الحاج، تقدّم نحو نهر البارد بعد إدراكه ارتفاع منسوب الخطر من داخله إلى الخارج، على الطريق أصدر قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان أمرًا بالتراجع فلم يمتثل وأقفل هاتفه ولم يردّ على أحد ليخرج من المعركة منتصرًا، ويروى عن الرئيس لحود في ذلك الوقت، بأنّه امتعض من تصرّف قائد الجيش بصفته القائد الأعلى للجيش اللبنانيّ، وأعلن موافقته على عملية نهر البارد، والتي خرج الجيش منها مظفّرًا. تكرّر المشهد عينه مع تنامي ظاهرة أحمد الأسير ضمن بيئة سياسيّة حاضنة له في صيدا ومحيطها، فما أن اعتدى على حاجز الجيش اللبنانيّ واستشهد الضابط جورج بو صعب في بوابة عبرا حتى هبّ العميد شامل روكز وأقفل خطّه مع قائد الجيش العماد جان قهوجي ودخل معركة تحرير عبرا من هذه الظاهرة السرطانيّة، فيما كان قائد الجيش يمعن بمنع العميد روكز من الوصول إلى قيادة الجيش، تحت ستار بأن قهوجي كان موعودًا برئاسة الجمهورية.
ما حصل في عرسال، وبحسب تلك المصادر كان مؤلمًا للغاية والأكثر إيلامًا هذا التعاطي الهزيل معه، وبدا في نواح كثيرة شديد التورّط به. لقد قتل الضابط بيار بشعلاني وهو من خيرة ضباط الجيش والجنديّ زهرمان وتم سحلهما في عرسال من قبل علي الحجيري ومجموعته، ولم يتم التعامل مع هذه الحادثة المؤلمة وغير الإنسانيّة والخارجة عن طريق المعقول كمعطى ومؤشّر يستدعي من الدولة اللبنانية اقتلاعه بواسطة الجيش اللبنانيّ. بل على العكس أيضًا دخلت قوى سياسيّة محسوبة تنتمي إلى فريق الرابع عشر من آذار مع فارس سعيد وآخرين، وجلسوا إلى جانب قاتل بيار بشعلاني وزهرمان، وأخذ سعيد موقفًا مدافعًا عنه ومحرّضًا وداعيًا من أجل حماية المناطق الحدوديّة من النظام السوريّ، فيما أعداد داعش وجبهة النصرة كانت تتكاثر وتتكثّف في الجرود وفي الشمال اللبنانيّ لتحدث الشغب وتمعن في الإجرام والقتل، من غير احتساب بأنّ هؤلاء يعيشون خارج دائرة الزمن. وحين دخل الجيش عرسال سنة 2014 وقرّر خوض المعركة بوجه التكفيريين المجرمين الذين اعتدوا عليه، تم خطف جنوده وأسرهم في الجرود، في ذلك الحين دخلت لجنة علماء المسلمين بواسطة اعتبرت مارقة بغطاء وسماح من قائد الجيش العماد جان قهوجي، وخلال المعركة طلب من قائد الجيش الانسحاب وأعلم بأنه لا يوجد قرار سياسيّ بالاقتحام، وبعد حين تمّ إخراج نجل الأمير بندر بن سلطان بطريقة مشبوهة، وتمّ إغراء الجيش اللبنانيّ كثمن لخروجه بمليار دولار هبة له. أغلق على الموضوع بصورة نهائيّة، فيما المخطوفون تركوا لمصيرهم المجهول. وقبل ذلك أي قبل الفراغ وكان اختطاف العسكريين تمّ في لحظة الفراغ الرئاسيّ، كان رئيس الجمهورية آنذاك يهلل للثلاث مليار دولار من المملكة من أجل تسليح الجيش ولم تنفّذ وقد هلّل وأعلن وهو رئيس للجمهورية “عاش الملك”!!! وتذكّر المصادر بأنّ وزير الدفاع آنذاك فايز غصن أعلن بأن عرسال وكر للإرهابيين أي لتنظيم القاعدة ليخرج رئيس الجمهورية السابق ويعلن بأنه لا يوجد إرهابيون فكيف يمكن تفسير ذلك؟
تعطف المصادر السياسيّة تلك الوقائع، على حديث تلفزيونيّ ادلى به العميد شامل روكز منذ أقل من شهر قال فيه بأنّ الجيش اللبنانيّ فوّت في عرسال فرصة نادرة للفوز وسيدوّن أسباب تفويت هذه الفرصة في مذكراته لكونه كان موجودًا على الجبهة في عرسال وعالمًا بأحوالها وواقعها. هذه الفرصة التي أشار إليها العميد روكز ليست مليئة بالغموض بل واضحة تمام الوضوح، وبلا تأويل مفتعل ومصطنع، تعتبر المصادر أنّ التواطؤ جزء من فلسفة سياسيّة كانت سائدة وهدفت بالتالي إلى استهلاك لبنان كمنصة في الحرب على سوريا تحت ستار ورقة بعبدا الخطيرة ليس في مضمونها آنذاك بفعلها وتحويلها إلى حجاب يستر جمًّا من الخطايا بحقّ لبنان الدولة والكيان، وبحق فئة من اللبنانيين تدافع عن لبنان وقد اعتمدت مبدأ القتال الاستباقيّ في سوريا كفعل وقائيّ للبنان يجنّبه انسياب القوى التكفيرية على أرضه بجلباب النزوح، وبحق جيش الوطن، وقد دفع ثمنًا غاليًا من دماء ضباطه وعسكره من أجل تحرير لبنان من مجموعة لا تعترف بالآخر ولا تتعايش معه وتبقى تعيش خارج دائرة الكون
تكشف المصادر بأن العثور على رفات الشهداء، كشف كامل لتلك الوقائع ويجب إعلانها بوضوح وإجراء المحاكمات على أساسها. وتعقّب بأنّ ما حدث ليس إهمالا بل تواطؤًا وخيانة بكل ما للكلمة من معنى. ثمّة تواطؤ فعليّ منذ ذلك الوقت قد أدّى إلى تلك النتيجة. وفي الوقت نفسه أظهرت تلك المصادر بأنّ ثمة مجموعات بدأت تتحضّر من محامين وإعلاميين ومثقفين بدأوا يتواصلون فيما بينهم بصورة شخصية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ وقد بدأوا ينفتحون على أسر الشهداء من جهة وعلى عدد من السياسيين الملتزمين من جهة ثانية بغية رفع دعاوى على كل من تواطأ ولحضّ الدولة على ان تتخذ صفة الإدعاء الشخصيّ على كلّ من يظهره التحقيق متواطئًا ليصار بعد ذلك إلى محاكمته. كما هم يتطلعون إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الضنين على مؤسسة الجيش اللبنانيّ والذي عاد جرحاه كأبناء له في المستشفى وقبل وجناتهم وجباههم، لكي يضرب في هذا الملفّ بيد من حديد ويتمّ فتح المحاكمات لمثل هؤلاء.
يطرح سؤال أخير هل كان يجب على الجيش اللبنانيّ أن يصفي هؤلاء في وادي مرطبيا وقد كشف العميد شامل روكز بأن قرار الاستسلام من قبل داعش تمّ عند الساعة الواحدة بعد نصف الليل؟ يقول روكز في حديث صحفي بأنّه كان يتمنى ذلك وكان يتمنى تصفية كل الدواعش المجرمين هناك على الجبهة. برأي أوساط أخرى مراقبة لقد حررت الجرود كلها بلا خسائر، غير أن ثمة من يصر ويشارك روكز رأيه بضرورة إبادة هؤلاء وعدم السماح لهم بالانسحاب.
ختامًا تحررت الجرود وصعق اللبنانيون بنبأ العثور على المخطوفين شهداء. هؤلاء بحق شهداء الغدر والتلاشي، وليسوا شهداء سقطوا على الجبهة. المسؤول عن الغدر هو من سمح بعدم حسم الموقف آنذاك في عرسال وجرودها وباقي الجرود، وهو من أوصل هؤلاء لأنياب الوحوش المجرمة. فلتتم محاكمة من سمح بذلك من أجل كرامة الجيش وكرامة لبنان بل لبنان الكرامة، ومن أجل حقّ وجد داميًا مع العثور على الشهداء العظام.
رحم الله شهداءنا وصبّر عائلاتهم وعزى قلوبهم، وكثيرون لن ينسوا وجه حسين يوسف والد شهيد الغدر محمد يوسف المكلل بالغار، وقد كان مزيجًا من أمل وحزن. حسين يوسف رمز للإنسانية الموجوعة التائقة في لبنان إلى الحق، والحقّ من شأنه أن يتخطّى الموت إلى معرفة أسبابه ومحاكمة المسببين به لتطمئنّ قلوب الناس بأن لهم دولة حقيقية تسوق الجميع إلى العدالة والمحاكمة. فسلام عليه وعلى المكلومين بهذا الجرح. ألا رفع الله الشهداء إلى وجهه الكريم وسربلنا بوشاح الحق، فهو وحده المنقذ والمحرّر، وأبقى لبنان منتصرًا به.
جورج عبيد , خاص Tayyr.org
قم بكتابة اول تعليق