
الأربعاء 25 تشرين الأول 2023 04:00طوني خوري – خاص النشرة
+-
وتيرة الحرب تتراجع فما هو الثمن؟
بعد اقل من 3 ايام، تدخل العلمية التي نفذتها حركة “حماس” داخل المستوطنات الاسرائيلية اسبوعها الرابع، مع كل ما حملته من نتائج وتداعيات شغلت العالم كله، ووصلت الى حدود التهديد بحرب عالميّة ثالثة، ومنهم من تحدّث عن الوصول الى مشارف الحرب النوويّة. ولكن، عملياً، كل المعلومات والمعطيات والوقائع تشير الى أنّ وتيرة الحرب الشاملة تتراجع، ولا يبدو ان أحداً مستعد بعد للدخول في حرب اقليمية-دولية لن تكون نتائجها معروفة او متوقعة. ومن الواضح ان اللجام الاميركي نجح في كبح الجموح الاسرائيلي نحو الدخول في الحرب الشاملة، من دون ان يعني ذلك وضع حدّ للاجرام الزائد الذي يمارسه الاسرائيليون على الفلسطينيين في غزة، والذي لم يؤثّر قيد انملة على حركة “حماس” المستهدف الاول.
النجاح الاميركي أتى في مقابل الدعم غير المشروط للاسرائيليين لحفظ ماء وجههم، من خلال السماح لهم بـ”الانتقام” من غزّة، ما أدّى الى تدمير اكثر من نصفها وتحويله الى ركام، والاهم هو الخسائر البشرية التي لم يستطع احد رفع الصوت كما يجب في شأنها، وسط حديث عما يقارب الستة آلاف قتيل وضعف هذا الرقم من الجرحى، ايّ ان ما اعطته واشنطن للعالم من سحب فتيل الحرب العالميّة اخذته من ارواح الفلسطينيين في غزّة. ويسأل الجميع عن الثمن الذي أدّى الى عدم وصول الامور الى المجهول ودخول اميركا وايران وروسيا واوروبا مباشرة في الحرب، ولو أنهم موجودون معنوياً ولوجستياً. لم تتضح الصورة بعد بشكل تام، كما ان خيار الحرب الاقليمية-الدولية لم يتمّ سحبه عن الطاولة، ولو انّه تراجع بعض الشيء بدليل اختلاف النبرة الاسرائيلية من جهة، وادخال كلمة الدبلوماسيّة وكلمة السّياسية “بالقوّة” في تصريحات الايرانيين وباقي الاطراف الداعمين لها.
من المؤكّد ان اميركا لم تعارض التهوّر الاسرائيلي بالدخول في حرب ستغيّر صورة المنطقة والعالم، كرمى لعيون الفلسطينيين او اللبنانيين او ايّ بلد عربي مجاور، كما لم يكن الهدف التقرّب من ايران او روسيا او الصين، انّما ما حصل هو انّه في ميزان الربح والخسارة، وجد المحلّلون الاميركيّون انّ اسرائيل ستخسر الكثير خصوصاً مع فتح جبهة جنوب لبنان واستقطاب التهديدات من خارج البحر، وانّ الولايات المتحدة ستركب ايضاً قطار الخسائر الكبيرة (وقد تلقّت رسائل واضحة في هذا الخصوص من خلال تهديد وجودها العسكري ومصالحها في المنطقة ككل)، كما انّ الاوروبيين بدأوا يشعرون بحمى النار الداخليّة تتأجج في مجتمعاتهم ما يهدّد استقرارهم الاقتصادي والامني والسياسي، ناهيك عن ان الحرب الروسية-الاوكرانية لا تزال مستعرة، ولو انها باتت “مجمّدة” في الوقت الراهن، وغائبة عن طاولة الاولويات العالمية.
وحتى لا نطيل الكلام عن التطورات التي نشهدها جميعاً، فإن الكلام يدور عن اثمان سيتم دفعها، وقد تكون على الشكل التالي: توسيع نطاق التطبيع مع اسرائيل وضمان انضمام السعوديّة الى الدول التي سارت في هذا المسار، إعادة تحريك عمليّة السلام وفق ما يمكن اختياره من بنود منها ترضي الاسرائيليين وتعطي “جائزة ترضية” للفلسطينيين والعرب بحيث تعطى الدول المطبّعة “صك براءة” يزيح عن كاهلها عبء المساءلة من قبل شعوبها، الوقوف عند خاطر ايران والصين وروسيا في المنطقة مع وضع بعض الضوابط لنفوذهم ونطاق تحركهم في دول الشرق الاوسط، تفعيل الفصل الكامل بين الاراضي الفلسطينيّة والاراضي التي تسيطر عليها اسرائيل، مع استمرار الاخذ والرد بالنسبة الى القدس كون مشكلتها بالغة التعقيد وربما يبقى الوضع على حاله فيها، مع ما تشهده من مواجهات واشتباكات اسبوعيّة، ابقاء النازحين السوريين في الاماكن التي يتواجدون فيها والتقليل (في المقابل) من تدفق النازحين الفلسطينيين الى الدول المجاورة (مصر، الاردن مثلاً).
كل هذه الباقة من البنود تبقى موضع اخذ ورد، انما لا يمكن تجاهلها، وهي لعبت الدور الاساسي في التراجع الحالي الذي تشهده نغمة الحرب، على امل الا يصحّ ما ينتظر ان يحصل من استخفاف بالحقوق العربيّة عند التسويات المقبلة، مع العلم انّ التفاؤل في هذا المجال سيكون في غير محله.